كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق} الآية]-
إخوانكم بالأمس، قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، قال وأنزل الله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم} إلى آخر الآية (1) (وعن عمر بن الخطاب) (2) رضي الله عنه بأطول من هذا وفيه أنزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض- إلى قوله- لولا كتاب من الله سبق) الآية (قلت) بقيتها {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}
__________
حدثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس قال استثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه) (1) سيأتي تفسير هذه الآية في الحديث التالي (تخريجه) لم أقف عليه من حديث أنس لغير الإمام أحمد وسنده صحيح وأورده الحافظ بن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد فقط (2) حديث عمر هذا تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب فداء أسرى بدر وما نزل من القرآن بسببه: من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 102 رقم 292 (أما تفسير الآية) فقوله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} قرأ عاصم وأهل البصرة تكون بالتاء والباقون بالياء. وقرأ أبو جعفر أساري والآخرون أسرى والأسرى جمع أسير وأساري جمع الجمع، والمعنى ما كان ينبغي ولا يجب لنبي، وقال أبو عبيدة معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد، أي ما كان لنبي أن يحبس كافرًا قدر عليه وصار في يده أميرا للفداء والمن (حتى يثخن في الأرض) أي تخاف كثرة القتل والمبالغة فيه، والإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته يقال أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه، والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر، فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأساري بعد ذلك (تريدون عرض الدنيا) الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول، بخلاف منافع الآخرة فإنها دائمة لا انقطاع لها (والله يريد الآخرة) يعني أنه عز وجل يريد بكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة لا زوال لها ولا انقطاع (والله عزيز) لا يقهر ولا يغلب (حكيم) في تدبير مصالح عباده (لولا كتاب من الله سبق) قال ابن عباس كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم وكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمن في الغنائم وأخذوا الفداء فأنزل الله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق} يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم، وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق أن يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم (وقال ابن جرير) لولا كتاب من الله سبق أن لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون الآية وأنه لا يأخذ قوما فعلوا الأشياء بجهالة (وقال بعض السلف) لولا حكم من الله سبق أن لا يعذب أحد على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهادا منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، وهذا القول وجيه ينطبق على وجهة نظرهم رضي الله عنهم (لمسكم) أي