كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[اغتباط كعب بن مالك بكونه تحاشى الكذب وذم المنافقين الذين كذبوا الله ورسوله]-
قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون (1) كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه فإن الله تبارك وتعالى قال للذين كذبوه حين كذبوه شر ما يقال لأحد (3) فقال الله تعالى {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون، يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} (3) قال وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا (4) فبايعهم واستغفر لهم فأرجأ (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا
__________
يرحبها أي سعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيه قلقا وجزعا (وضاقت عليهم أنفسهم) أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور لأنها خرجت من فرط الوحشة والغم (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا استغفاره والرجوع إليه بالتوبة (ثم تاب عليهم) بعد خمسين يوما (ليتوبوا) معناه إن الله عز وجل تاب عليهم في الماضي ليكون ذلك داعيا لهم إلى التوبة في المستقبل فيرجعوا ويداوموا عليها (إن الله هو التواب) على عباده (الرحيم) بهم وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والكرم والفضل والإحسان وإنه لا يجب على الله تعالى شيء والله أعلم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} يعني في مخالفة أمر الرسول (وكونوا مع الصادقين) في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك، ومع الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا كأبي بكر وعمر، والآية تدل على أن الاجتماع حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فلزم قبول قولهم (1) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ مسلم وكثير من روايات البخاري (يعني أن لا أكون) قال العلماء لفظة لا في قوله (أن لا أكون) زائدة ومعناه أن أكون كذبته كقوله تعالى (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك (وقوله فأهلك) بكسر اللام على الفصيح المشهور وحكى فتحها وهو شاذ ضعيف (2) أي قال قولا لا شر ما يقال بالإضافة أي شر القول الكائن لأحد من الناس (3) قال الإمام البغوي في تفسيره يروي أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين نفرا فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا يعتذرون بالباطل قال الله تعالى {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم} أي لن نصدقكم {وقد نبأنا الله من أخباركم} فيما سلف {وسيرى الله عملكم ورسوله} في المستأنف أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} أي إذ انصرفتم إليهم من غزوكم {لتعرضوا عنهم} لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم {فأعرضوا عنهم} فدعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق {إنهم رجس} نجس أي إن عملهم قبيح {ومأواهم} في الآخرة {جهنم جزاءا بما كانوا يكسبون} قال ابن عباس نزلت في جد بن قيس ومعتب بن قشير وكانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لا تجالسوهم ولا تكلموهم، وقال مقاتل نزلت في عبد الله بن أبي (يعني ابن سلول رأس المنافقين) حلف للنبي صلى الله عليه وسلم بالله الذي لا إله هو لا يتخلف عنه بعدها، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضى عنه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} أي فإن رضاكم وحده لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها (4) أي حلفوا كذبا أن تخلفهم كان لعذر (5) بالجيم

الصفحة 172