كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قصة يوسف عليه السلام مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن وتفسير ذلك]-
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت أنا لأسرعت الإجابة (1) وما ابتغيت العذر (باب قوله عز وجل نرفع درجات من نشاء) (حدثنا عبيد بن أبي قرة) (2) قال سمعت مالك بن أنس (3)
__________
الرؤى فأرسلوه إلى السجن حيث لا يزال يوسف مسجونا ليعبر رؤيا الملك فعبرها بما قصه الله عز وجل في كتابه، فرجع الساقي إلى الملك وأخبره بما أفتاه به يوسف من تأويل رؤياه وعرف الملك أن الذي قاله كائن قال ائتوني به (التفسير) (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول) وقال له أجب الملك أبا أن يخرج مع الرسول حتى تظهر براءته ثم قال (للرسول) (ارجع إلى ربك) يعني سيدك الملك (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أذبا واحتراما (إن ربي بكيدهن عليم) وأبا أن يخرج مع الرسول وأجابه الملك حتى يعرف صحة أمره عندهم مما كانوا قذفوه به من شأن النساء: وحتى لا ينظر إليه بعين التهمة والخيانة، قال السدي قال ابن عباس لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه مازالت في نفس العزيز منه حاجة، يقول هذا الذي رواد امرأته اهـ فدعا الملك النسوة وامرأة العزيز (قال ما خطبكن) أي ما شأنكن وأمركن (إذ راودتن يوسف عن نفسه) خاطبهن والمراد امرأة العزيز، وقيل إن امرأة العزيز راودته عن نفسه وسائر النسوة أمرنه بطاعتها فلذلك خاطبهن جميعا (قلن حاش لله) معاذ الله (ما علمنا عليه من سوء) خيانة (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) أي ظهر وتبين، وقيل إن النسوة أقبلن على امرأة العزيز فقررنها فأقرت، وقيل خافت أن يشهدن عليها فأقرت وقالت أنا راودته عن نفسه وإنه لم الصادقين في قوله هي راودتني عن نفسي (ذلك ليعلم إني لم أخنه بالغيب) تقول إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي إني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرء نفسي) تقول المرأة ولست أبرئ نفسي فإن النفس تتحدث وتتمنى ولهذا راودته (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) أي إلا من عصمه الله تعالى {إن ربي غفور رحيم} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام، وقد حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله فأفرده بتصنيف على حدة، وقد قيل إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول ذلك ليعلم إني أخنه في زوجته بالغيب الآيتين، أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز إني لم أخنه في زوجته بالغيب وإن الله لا يهدي كيد الخائنين الآية: قال وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه، قال وهكذا قال مجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة وابن أبي الهزيل والضحاك والحسن وقتادة السدى، قال والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل عبد ذلك أحضره الملك والله أعلم (1) أي إجابة الداعي بالخروج من السجن (وما ابتغيت العذر) أي ما طلبت البراءة ولا انتظرت ظهورها: يريد صلى الله عليه وسلم بذاك وصف يوسف عليه السلام بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك بل {قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة} الآية أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلما، وإنما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل التواضع لا أنه لو كان مكانه كان منه مبادرة إلى الخروج: والتواضع لا يصغر كبيرا ولا يبطل لذي حق حقه لكنه يوجب لصاحبه فضلا يكسبه جلالا وقدرا والأناة وصف المؤمنين فضلا عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم (تخريجه) (ق جه وغيرهم) (باب) (2) حدثنا عبيد بن أبي قرة الخ) (غريبه) (3) هو الإمام