كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[قصة يوسف مع أخوته واحتياله على أخذ أخيه وتفسير ذلك]-
يقول (نرفع درجات من نشاء) قال بالعلم (1) قلت من حدثك؟ قال زعم (2) ذاك زيد بن أسلم (3)
__________
الجليل عالم المدينة وأحد الأئمة الأربعة رحمهم الله (1) فسر رفع الدرجات بسبب العلم وهو مستنيط من قوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين آتوا العلم درجات} والقرآن يفسر بعضه بعضا (2) الزعم يطلق بمعنى القول ومنه زعم سيبويه أي قال، وعليه قوله تعالى {أو تسقط السماء كما زعمت} أي كما أخبرت، ويطلق على الظن، يقال في زعمي كذا، وعلى الاعتقاد، ومنه قوله تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} قال الأزهري وأكثر ما يكون فيما يشك فيه اهـ (قلت) والمراد هنا القول لا الشك (3) هو العدوى المدني التابعي أحد الأعلام من مشايخ الإمام مالك، قال مالك كان زيد يحدث من تلقاء نفسه فإذا قام فلا يجترئ عليه أحد، وثقه الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة: مات سنة ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة (خلاصة) (تخريجه) إسناد هذا الأثر صحيح، وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لأبي للشيخ فقط، أما قوله عز وجل {نرفع درجات من نشاء} المذكور في الأثر فقد جاء في سياق قصة يوسف مع إخوته لما قدموا عليه ومعهم إخوة شقيقه بنيامين وأدخلهم كرامته ومنزل ضيافته وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له وعرفه أنه أخره وقال له لا تبتئس أي لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عند معززا مكرما معظما، وتفصيل هذه الحيلة جاء في قوله تعالى {فلما جهزهم بجهازهم} أي حمل لهم أبعرتهم طعاما (جعل السقاية في رجل أخيه) أي أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية وهي إناء من فضة في قول الأكثرين وقيل من ذهب قاله ابن زيد، وكان يشرب فيه ويكيل للناس به من عزة الطعام إذ ذاك، قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وقال عكرمة كان مشربة من فضة مرصعة بالجواهر، جعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيره وكان يشرب منها: والسقاية والصواع واحد فوضعها في متاع بنيامين من حيث لا يشعر أحدهم (ثم أذن مؤذن) أي نادى مناد (أيتها العير) وهي القافلة التي فيها الأحمال (إنكم لسارقون) قالوا وما ذاك؟ قالوا سقاية الملك فقدناها ولانتهم عليها غيركم، فذلك قوله عز وجل (قالوا وأقبلوا عليهم) عطفوا على المنادى وأصحابه (ماذا تفقدون) أي ما الذي ضل عنكم؟ والفقدان ضد الوجدان (قالوا نفقد صواع الملك) أي صاعه الذي يكيل به (ولمن جاء به حمل بعير) من الطعام، وهذا من باب الجعالة (وأنابه زعيم) أي كفيل، يقول المنادي وهذا من باب الضمان والكفالة، ولما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة قال لهم أخوه يوسف (تالله) أي والله وخصت هذه الكلمة بأن أبدلت الواو فيها بالتاء في اليمين دون سائرا سائرا سماء الله تعالى (لقد علمتم) أي لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة أنا (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) أي ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة فقال لهم الفتيان (فما جزاؤه) يعني ما جزاء السارق (إن كنتم كاذبين) في قولكم وما كنا سارقين يعني أي شيء يكون عقوبة السارق أن وجدناه منكم (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) أي فالسارق جزاؤه أن يسلم بسرقته إلى المسروق منه فيسترقه سنة، وكان ذلك سنة آل يعقوب في حكم السارق، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عند فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم (كذلك نجزي الظالمين) الفاعلين

الصفحة 183