كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله تعالى {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} الخ]-
فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه (1) حتى خرج من دبره يقول الله عز وجل {وسقوا ماء حميما (2) فقطع أمعاءهم} ويقول الله عز وجل {وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل (3) يشوي الوجوه بئس الشراب} (باب ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت الخ) (عن ابن عمر) (4) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في قوله (كشجرة طيبة) (5) قال هي التي لا تنفض ورقها فظننت أنها النخلة (6)
__________
وحرارته (وقد فسر في الحديث بأنه يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه: فروة الرأس والوجه جلدته (1) أي مصارينه وهو جمع معى بالقصر (2) أي شديد الحرارة (3) أي كعكر الزيت يشوي الوجوه من حره إذا قرب إليها (ولا يكاد يسيغه) أي يزدرده لقبحه وكراهته (ويأتيه الموت) أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب (من كل مكان) من أعضائه، قال إبراهيم التيمي حتى من تحت كل شعرة من جسده (وما هو بميت) فيستريح (ومن ورائه) أي بعد ذلك العذاب (عذاب غليظ) قوي شديد متصل، وقيل العذاب الغليظ الخلود في النار يعوذ بالله من ذلك (تخريجه) الحديث رجاله ثقات وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم (قلت) وأورده البغوي أيضا في تفسيره والله سبحانه وتعالى أعلم.
(باب) (4) (سنده) حدثنا حجاج حدثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر الخ (5) أول الآية {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} (6) (التفسير) {ألم تر كيف ضرب الله مثلا} أي لم تعلم، والمثل قول سائر لتشبيه شيء (كلمة طيبة) هي قول لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) هي النخلة يريد كشجرة طيبة الثمرة (أصلها ثابت) في الأرض (وفرعها) أعلاها (في السماء) أي مرتفع إلى جهة السماء: كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلم بها عرجت فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل، قال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (تؤتي أكلها) أي تعطى ثمرها (كل حين بإذن ربها) والحين في اللغة هو الوقت وفيه أقوال كثيرة والظاهر أن المراد به هنا كل غدوة وعشي لأن ثمر النخل يؤكل أبدًا ليلا ونهارا أما تمرا أو رطبا أو عجوة كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وآخره هو بركة إيمانه لا تنقطع أبدًا بل تصل إليه في كل وقت، قيل والحكمة في تشبيهها بالنخلة من سائر الأشجار أن النخلة أشبه الأشجار بالإنسان من حيث أنها إذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار تتشعب من جوانبها بعد قطع رءوسها، ولأنها تشبه الإنسان في أنها لا تحمل إلا بالتلقيح، ولأنها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام، ولذلك يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضيلة طينة أبيكم آدم الحديث رواه أبو يعلى وابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه عن علي وإن كان ضعيفا لكنه يعتضد بكثرة طرقه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى النخلة في حديث الباب بقوله هي التي لا تنفض ورقها أي لا يسقط ورقها صيفا ولا شتاء بخلاف غيرها من الشجر فإنه يسقط ورقه في زمن الشتاء (6) ظن ابن عمر أنها النخلة ولكنه لم يقل ذلك لصغره وتأدبا واحتراما لأبي بكر وعمر