كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله عز وجل (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) الآيات]-
نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيَّ بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت فو الله ما رام (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (2) عند الوحي حتى انه كان ليتحدر (3) منه مثلُ الجمان من العرق في اليوم الشاتيّ من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُرىَّ (4) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول (5) كلمة تكلم بها أن قال ابشري يا عائشة، أمّا الله فقد برأك، فقالت لي أمي قومي إليه (6) فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي انزل براءتي قالت فانزل الله عز وجل: (إِنَّ الَّذين جاءوا بالإفك
__________
طرف من حديث طويل سياي بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في باب حديث الإفك ومحنة عائشة رضي الله عنها من أبواب ذكر ازواجه الطاهرات من كتاب السيرة النبوية، وسيأتي نحوه أيضًا في غزوة بني المطصلف إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بهذا القدر منه وشرحه وتفسير الآيات المتعلقة به وتلخيص ما ترك منه فنقول كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق بعد ما أنزل الحجاب حتى إذا فرغ من غزوته تلك ورجع ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل وكانت عائشة قد ذهبت بقضاء حاجتها قبل أن يرتحل القوم ففقدت عقدها فحسها التماسه فحمل القوم هو دجها ووضعوه على بعيرها يحسبونها فيه ثم ساروا فجاءت عائشة بعد أن وجدت عقدها فلم تجد أحدًا فجلست في المنزل الذي كانت فيه، وكان صفوان بن المعطل من وراء الجيش كما جاء في حديث أبي هريرة عند البزار: وكان صفوان أن يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإدارة يعني مما تركه الناس نسيانًا فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحاب فأصبح عند منزل عائشة فعرفها وكان يراها قبل الحجات، فقال (إن الله وإنا إليه راجعون) ولم يتكلم كلمة غيرها فأناخ راحته وغطت عائشة وجهها بخمارها وأدار وجهه فركبت عائشة وانطلق يقودها حتى أدرك الجيش نازلًا في وسط النهار في شدة الحر، فهناك قال أهل الإفك ما قالوا فيها، وكان الذي تصدى له وتقده رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وكانت لا تشعر بما يقول الناس إلى أن خرجت هي وأم مسطح ليلًا إلى مكان خارج المدينة لقضاء حاجتهما وذلك قبل أن تتخذ الكنف فعئرت أم مسطح في مرئها فقالت تعس مسطح، فقالت لها عائشة بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد در!؟ فقالت أم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتها بقول الإفك فاستأذنت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون عند أبويها فأذن لها، قالت وبت عند أوي لا يرقأ لي دمع وما اكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي إلى أن قالت والله ما كنت أظن أن ينز في شأني وحي أي قرآن (الحديث) (1) أي ما قام سول الله صلى الله عيه وسلم من مجلسه الخ (2) بضم الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ممدودا العرق من ضدة ثقل الوحي (3) بتشديد الدال، واللام للتأكيد أي ينز ويقطر (وقوله مثل الجمان) برفع مثل وضم الجيم وتخفيف الميم أي مثل اللؤلؤ (4) بضم السين المهملة وتشديد الراء مكسورة وفتح الياء التحتية أي كشف وأزيل عنه ما كان يحمد من ثقل الوحي (5) نصب أول خ كان: وأسمها أن قال أبشري يعني أن وما بعدها في تأويل مصدر أسم كان وتقديره فكان قوله أبشري يا عائشة أول كلمة تكلم بها (6) معناه قالت لها أمنها قومي فاحمديه وقبلي رأسه وأشكريه نعمة الله تعالى التي يبشرك، فقالت عائشة ما قالت أدلالا عليه وعتًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم حسن طرائفها وجميل أحوالها