كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[تفسير قوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إله آخر) إلى قوله (فأنه يتوب إلى الله متابا)]-
فأنزل الله تصديق ذلك (1) (والذين لا يدعون مع الله إله آخر (2) ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما)
__________
يقتضي أن يكون من الجانبين، قال في المصابيح لعله نبه على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها بأن يغشاها قائمة أو مكرهة فأنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها له والطواعية كبيرًا: كان زناه بدون ذلك أكبر وأقبح من باب أولى (وقوله حليلة جارك) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته لأنها تحل له فهي فعلية بمعنى فاعلة أو من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها وإنما كان ذلك لأنه زنا وأبطال لما أوصى الله به من حقوق الجيران (1) أي فأنزل الله تصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية (2) (التفسير) أي لا يشركون بالله عز وجل (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) أي لا يقتلون النفس التي هي معصومة في الأصل لا محقين بقود أو رجم الزاني المحصن أو كفر بعد إسلام (ولا يزنون) الزنا وطؤ امرأة غير زوجته وأمته (ومن يفعل ذلك) أي واحدًا من الثلاثة (يلق أثاما) قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم وبه قال الخليل وسيبويه وأبو عمر الشيباني وقال كثير من المفسرين الأثام واد في جهنم عافانا الله منها، هذا وقد انتهى الحديث إلى قوله أثاما (تخريجه) (ق د لس مذ) والبغوي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وقد جاء في كتاب الله عز وجل بعد هذه الآية صفة جزاء من فعل ذلك فقال عز من قائل (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) الآيات، ولأجل تمام الفائدة أذكر ما قيل في تفسير هذه الآيات المتممة للآية المتقدمة فأقول (قوله عز وجل) (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد) قرأ ابن عامر وأبو بكر يضاعف ويخلد برفع الفاء والدال وشدد ابن عامر يضعف، وقرأ الآخرون بجزم الفاء والدال على جواب الشرط (فيه) مكى وحفص بإشباع الها، وإنما خص حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد والعرب تمد للمبالغة (مهانا) أي ذليلا (إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا) قال قتادة إلا من تاب من ذنبه وآمن بربه وعمل عملًا صالحًا فيما بينه وبين ربه، روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين (والذين لا يدعون مع الله إليها آخر) الآية، ثم نزلت إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه بإنا فتحنا لك فتحًا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) ذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا، قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والسدى والضحاك يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانا وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة واحصانا، وقال قوم يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة، وهو قول سعيد بن المسيب ومكحول وقيل إن الله عز وجل يمحوا بالندم جميع السيئات ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة (ومن تاب وعمل صالحا) قال بعض أهل العلم هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا يعني من تاب من الشرك وعمل صالحًا أي أدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن (فإنه يتوب إلى الله) أي يعود إليه بعد الموت (متابا) حسنا يفضل به على غيره ممن قتل وزنى، فالتوبة الأولى وهي قوله (ومن تاب) رجوع عن الشرك، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة، وقال بعضهم هذه الآية أيضًا في التوبة عن جميع السيئات،

الصفحة 224