كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآيات وتفسيرها وكلام العلماء في ذلك]-
حساب، وأما الذين اقتصدوا فاولئك يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فاولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور: الى قوله: لغوب) (حدثنا وكيع) (1) قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن ثابت أو عن أبى ثابت (2) أن رجلًا دخل مسجد دمشق فقال اللهم آنس وحشتى وارحم غربتى وارزقنى جليسًا حبيبًا صالحًا، فسمعه أبو الدرداء فقال لئن كنت صادقًا (3) لأنا أسعد بما قلت منك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فمنهم ظالم لنفسه) (4)
__________
وهو القرآن ثم أورثناه يعنى حكمنا يتوريثه وقيل أورثناه بمعنى نورثه {الذين اصطفينا من عبادنا} قال ابن عباس يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعنى من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم الى يوم القيامة: لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم واختصهم بكرامته بأن جعلهم أتباع سيد الرسل وخصهم بحمل أفضل الكتب ثم قسمهم ورتبهم على مراتب فقال تعالى {فمنهم ظالم لنفسه} يعنى بالتقصير في العمل وأمرهم مرجأ الى الله عز وجل، ولذلك فسرهم في الحديث بقوله فاولئك الذين يحبسون في طول المحشر: وفي رواية من حديث أبى الدرداء أيضًا (وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ثم يدخل الجنة) ومعناه انه يحبس طول مدة اقامته بالمحشر، وقوله (ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته) أي تداركهم. وعن ابن عباس الظالم الكافر نعمة الله غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة، وقيل الظالم لنفسه من رجحت سيئاته على حسناته {ومنهم مقتصد} هو الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وقيل من استوت سيئاته وحسناته وذكرهم في الحديث بأنهم يحاسبون حسابًا يسيرًا {ومنهم سابق بالخيرات} قالت عائشة رضى الله عنها هو من معنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالجنة، وقيل السابق القارئ للقرآن العالم به العامل بما فيه وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب كما فسرهم بذلك في الحديث (باذن الله) أى بأمره وارادته وتوفيقه {ذلك هو الفضل الكبير} يعنى ايرائهم الكتاب واصطفاؤهم، ثم أخبر بثوابهم فقال {جنات عدنٍ يدخلونها} يعنى الأصناف الثلاثة {يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} أى من ذهبٍ مرصعٍ باللؤلؤ {ولباسهم فيها حرير} أى لما فيه من اللذة والزينة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا {إن ربنا لغفور} يغفر الجنايات وان كثرت {شكور} يقبل الطاعات وان قلت {الذي أحلنا دار المقامة} أى الاقامة لا نبرح منها ولا نفارقها، يقال أقمت اقامةً ومقامًا ومقامةً {من فضله} من عطائه وإفضاله ى باستحقاقنا وأعمالنا {لا يمسنا فيها نصب} أى لا يصيبنا فيها عناء ولا مشقة {ولا يمسنا فيها لغوب} أى إعياء من التعب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى لغوب بفتح اللام (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام احمد، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد بأسانيد رجال احدها رجال الصحيح وهي هذه ان كان على بن عبد الله الأزدى سمع من أبى الدرداء فانه تابعى (1) (حدثنا وكيع الخ) (2) أو للشك من الراوى، والظاهر انه ثابت بن عبيد الانصاري، قال في الخلاصة روى عنه الأعمش ومسعر والثوري وثقه احمد زابن معين (3) معناه ان كنت مخلصًا في دعائك واستجاب الله لك فأنا أسعد بصحبتك منك حيث قد جعلنى الله عز وجل من عباده الصالحين (4) أول الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} الآية: قال الحافظ ابن كثير في تفسيره يقول تعالى ثم جعلنا