كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[قصة الذبيح وكلام العلماء فى ذلك والتحقيق أن الذبيح اسماعيل لا اسحاق]-
......
__________
= إيمانهم بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال {انى ذاهب الى ربى سيهدين، رب هب لى من الصالحين} يعنى أولادًا مطيعين يكونون عوضًا عن قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال الله تعالى {فبشرناه بغلام حليم} وهذا الغلام هو اسماعيل عليه السلام فانه أول ولد بشر به ابراهيم عليه السلام وهو أكبر من اسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل فى نص كتابهم أن اسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة: وولد اسحاق وعمر ابراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة وعندهم ان الله تبارك وتعالى أمر ابراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفى نسخة أخرى بكرة فأقحموها هنا كذبًا وبهتانًا (اسحاق) ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وانما اقحموا اسحاق لأنه أبوهم واسماعيل ابو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك: وحرّفوا وحيده بمعنى الذى ليس عنده غيره فان اسماعيل كان ذهب به وبأمه الى مكة، وهو تأويل وتحريف باطل، فانه لا يقال وحيده الا لمن ليس له غيره، وأيضًا فان أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ فى الابتلاء والاختبار، وقد ذهب جماعة من أهل العلم الى أن الذبيح هو اسحاق وحكى ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضى الله عنهم أيضًا، وليس ذلك فى كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقى إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسَّدًا من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد الى أنه اسماعيل، فانه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك- وبشرناه باسحاق نبيًا من الصالحين- ولما بشرت الملائكة ابراهيم باسحاق قالوا- انا نبشرك بغلام عليم- قال تعالى- {فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب} أى يولد له فى حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل، فكيف يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يحكى بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرًا واسماعيل وصف هنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، انتهى كلام الحافظ ابن كثير (فلما بلغ معه السعى) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراسانى وزيد بن أسلم وغيرهم يعنى شب وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعى والعمل، قال الامام البغوى واختلفوا فى سنه، قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل كان ابن سبع سنين {قال يا بنى انى أرى فى المنام أنى أذبحك} قال محمد بن اسحاق كان ابراهيم اذا زار هاجر واسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة، فيبيت عند أهله بالشام، حتى اذا بلغ اسماعيل معه السعى وأخذ يعمل بنفسه ورجاء لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر فى المنام أن يذبحه: وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلًا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روّى فى نفسه أى فكر فى الصباح الى الرواح أمن الله هذا الحكم أم من الشيطان؟ فمن ثم سعى يوم التروية فلما أمسى رأى فى المنام ثانيًا، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عز وجل، فمن ثم سعى يوم عرفة، قال مقاتل رأى ذلك ابراهيم ثلاث ليال متواليات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال- {يا بنى انى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى} قرأ حمزة والكسائى ترى بضم التاء وكسر الراء ماذا تشير: وانما أخبره ليعلم صبره على أمر الله تعالى وعزيمته على طاعته، وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فانه يميل الراء، قال ابن اسحاق وغيره فلما أمر ابراهيم بذبح ولده قال لابنه يا بنى خذ الحبل والمدية ننطلق الى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا ابراهيم بابنه فى شعب ثبير اخبره بنا أمر {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما} انقادا وخضعا لأمر الله تعالى، قال قتادة أسلم ابراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه {وتله للجبين} أى صرعه على الأرض قال ابن عباس أضجعه على جبينه

الصفحة 256