كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[بقية قصة الذبيح وتفسيرها ومن قال انه اسحاق]-
.....
__________
على الأرض، والجبهة بين الجبينين ووضع السكين على حلقه فلم يعمل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودى يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا: روى ان ذلك المكان عند الصخرة التى بمنىً، وجواب لما محذوف تقديره قبلنا منه {وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا} أى حققت ما أمرناك به فى المنام من تسليم الولد للذبح {إنا كذلك نجزى المحسنين} تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة {إن هذا لهو البلاء المبين} الاختبار البين الذى يتميز به المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة {وفديناه بذبح عظيم} هو ما يذبح سمينًا ضخم الجثة، وهى السنة فى الأضاحى، روى عن ابن عباس هو الكبش الذى قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل، وعنه لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة وذبح الناس أبناءهم، قال الامام البغوى نظر ابراهيم فاذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فأخذ ابراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه قال مجاهد سماه عظيمًا لأنه متقبل، وقال الحسين بن الفضل لأنه كان من عند الله، وقيل عظيم فى الثواب {وتركنا عليه فى الآخرين} أى تركنا له فى الآخرين ثناءًا حسنًا {سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين} ولم يقل إنا كذلك هنا كما فى غيره لأنه قد سبق فى هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاءًا بذكره مرة عن ذكره ثانية {انه من عبادنا المؤمنين وبشرناه باسحاق نبيًا من الصالحين} فمن جعل الذبيح اسماعيل قال بشره بعد هذه القصة باسحاق نبيًا جزاء الطاعة، ومن جعل الذبيح اسحاق قال بشر ابراهيم بنبوة اسحاق ورواه عكرمة: وعن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ {وباركنا عليه} يعنى على ابراهيم فى أولاده {وعلى اسحاق} يكون أكثر الأنبياء من نسله، قيل أخرج الله من صلبه الف نبى أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام {ومن ذريتهما محسن} مؤمن {وظالم لنفسه} كافر {مبين} ظاهر أو محسن الى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع، وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرف والعنصر فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى ان الظلم فى اعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وان المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على ما وجد من أصله وفرعه، والى هنا قد انتهى ما أردنا تفسيره من هذه القصة، ويستفاد منها أن الراجح بل المتعين أن الذبيح اسماعيل، قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره وقد حكى البغوى القول بأنه اسحاق عن عمر وعلى وابن مسعود والعباس رضى الله عنهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهرى والسدى، قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وقد ورد فى ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ولكن لم يصح سنده اهـ (قلت) وحكى البغوى أيضًا القول بأنه اسماعيل عن عبد الله بن عمر قال وهو قول سعيد بن المسيب والشعبى والحسن البصرى ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلى، وهى رواية عطاء بن أبى رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدى اسماعيل، وقال القرظى سأل عمر بن عبد العزيز رجلًا كان من علماء اليهود أسلم وحسن اسلامه أىّ ابنى ابراهيم أمر بذبحه؟ فقال اسماعيل: ثم قال يا أمير المؤمنين ان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذى أمر الله تبارك وتعالى بذبحه ويزعمون انه اسحاق بن ابراهيم، ومن الدليل عليه ان قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة فى أيدى بنى اسماعيل الى ان احترق البيت واحترق القرنان فى أيام ابن الزبير والحجاج، قال الشعبى رأيت قرنى الكبش منوطين بالكعبة، وعن ابن عباس قال والذي نفسي