كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله تعالى {ولما ضرب ابن مريم مثلًا} الآيات وتفسيرها]-
(سورة الزخرف) (باب ولما ضرب ابن مريم مثلًا) الآية (عن أبى يحيى) (1) مولى بن عقيل الأنصارى قال قال ابن عباس لقد علمت آية من القرآن ما سألنى عنها رجل قط، فما أدرى أعلمها الناس فلم يسألوا عنها، أو لم يفطنوا لها فيسألوا عنها، ثن طفق يحدثنا فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها: فقلت أنا لها إذا راح غدا، فلما راح الغد قلت يا ابن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط فلا تدرى أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها: فقلت أخبرنى عنها وعن اللاتى قرأت قبلها؟ قال نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير: وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم وما تقول فى محمد (2) صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا وعبدًا من عباد الله صالحًا، فلئن كنت صادقًا فان الهتهم لكما يقولون (3) قال فأنزل الله عز وجل {ولما ضرب ابن مريم مثلًا اذا قومك منه يصدون} (4) قال قلت ما يصدون؟ قال يضجون (وإنه لعلم للساعة) قال هو خروج عيسى بن مريم عليه
__________
وقال رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال فالله أكرم من ان يثنى عليكم العقوبة يدل عليهم وفيه أزهر بن راشد وهو ضعيف اهـ (قلت) ورواه أيضًا ابن أبى حاتم والبغوى وأورده الحافظ السيوطى فى الدر المنثور وعزاه لابن راهويه وابن منيع وعبد بن حميد والحكيم الترمذى وابن المنذر وابن مردويه والحديث له طرق كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن والله أعلم (باب) (1) (سنده) حدّثنا هاشم ابن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم عن أبى رزين عن أبى يحيى مولى بن عقيل الخ (قلت) أبو يحيى هو المعرقب بفتح القاف اسمه مصدع كمبر (غريبه) (2) أى وما تقول النصارى فى محمد من عدم تصديقهم بنبوته (3) يريدون أن عيسى ابن الله: تعالى الله عن ذلك (4) (التفسير) قرأ نافع وابن عامر والكسائى وأبو جعفر وخلف (يصدون) بضم الصاد ووافقهم الحسن والأعمش: أى يصدون عن الحق ويعرضون عنه: وقرأ الباقون بكسرها أى يضجون ويعجبون، وهى قراءة ابن عباس أيضًا وفسرها بذلك، وسبب نزول هذه الآية أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ على قريش {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} فغضبوا فقال ابن الزبعرى يا محمد اخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال: لست تزعم أن عيسى بن مريم نبى وتثنى عليه وعلى أمه خيرًا وقد علمت أن النصارى يعبدونهما؟ وعزيز يعبد والملائكة يعبدون؟ فلو كان هؤلاء فى النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا: وسكت النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} ونزلت هذه الآية، والمعنى ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلًا لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه (إذا قومك) يعنى قريشًا (منه) من هذا المثل (يصدون) يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحًا وضحكًا بما سمعوا منه من إسكات النبى صلى الله عليه وسلم بجدله (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فاذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا هنا (ما ضربوه) أى ما ضربوا هذا المثل (لك إلا جدلًا) إلا لأجل الجدل والغلبة فى القول لا لطلب التميز بين الحق والباطل {بل هم قوم خصمون}؟؟؟؟؟؟ الخصومة، وذلك أن قوله تعالى {إنكم وما تعبدون} لم يرد به إلا الأصنام، لأن ما لغير العاقل، إلا أن ابن الزبعرى يخادعه لما رأى كلام الله محتملًا لفظه وجه العموم مع