كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[تفسير قوله تعالى {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن} الخ وقصته صلى الله عليه وسلم معهم]-
(عن الزبير) (1) فى قول الله تبارك وتعالى {واذ صرفنا اليك نفرًا (2) من الجن يستمعون القرآن}
__________
بضم الياء مساكنهم برفع النون يعنى لا يرى شئ الا مساكنهم، وقرأ الآخرون بالتاء، ومساكنهم بفتح النون والخطاب للرائى من كان {كذلك نجزى القوم المجرمين} أى مثل ذلك نجزى من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركى العرب والله أعلم (تخريجه) (ق د ك وغيرهم) (1) (سنده) حدّثنا سفيان قال عمرو (يعنى ابن دينار) وسمعت عكرمة (واذ صرفنا اليك) وقرئ على سفيان عن الزبير {نفرًا من الجن يستمعون القرآن} قال بنخلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء الخ (قلت) هذا السند جاء فى المسند هكذا وفيه تعقيد، وذكره الحافظ ابن كثير فى تفسيره فقال قال الامام أحمد حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت عكرمة عن الزبير {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن} قال بنخلة فذكر الحديث بلفظه، فكأن الحافظ ابن كثير استخلص هذا السند من السند المعقد باجتهاده أو بقرينة دلت على ذلك رحمه الله (2) (التفسير) {واذ صرفنا اليك نفرًا} أى أملناهم اليك وأقبلنا نحوك والنفر دون العشرة، وقد جاء فى بعض الروايات أنهم كانوا تسعة، وفى بعضها سبعة، روى ابن أبى شيبة بسند جيد عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قال صه (كلمة زجر بمعنى اسكت) وكانوا تسعة أحدهم زوبعة: فأنزل الله عز وجل {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن}: الى: {ضلال مبين} ورواه أيضًا الحاكم بهذا اللفظ وصححه وأقره الذهبى، وفى رواية للبخارى والامام أحمد وستأتى فى الباب الأول من سورة الجن عن ابن عباس قال (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم) قال الحافظ ابن كثير فهذا يعنى حديث ابن مسعود مع رواية ابن عباس يقتضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بحضورهم فى هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا الى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا اليه أرسالًا قومًا بعد قوم وفوجًا بعد فوج كما ستاتى بذلك الأخبار فى موضعها اهـ (قلت) سيأتى شئ من ذلك فى تفسير سورة الجن فى هذا الجزء وسيأتى شئ كثير من ذلك فى باب ما جاء فى اسلام طائفة من الجن من كتاب خلق العالم (من الجن) جن نصيبين قال ياقوت فى معجمه نصيبين مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل الى الشام (يستمعون القرآن) منه عليه الصلاة والسلام (فلما حضروه) أى الرسول أو القرآن أى كانوا منه بحيث يستمعون (قالوا أنصتوا) أى قال بعضهم لبعض اسكتوا مستمعين (فلما قضى) أى فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من القراءة {ولوا الى قومهم منذرين} اياهم {قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى} وانما قالوا من بعد موسى لانهم كانوا على اليهودية، وعن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بامر عيسى عليه السلام {مصدقًا لما بين يديه} من الكتب {يهدى الى الحق} الى الله تعالى {والى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعى الله} أى محمدًا {وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم} من صلة أى ذنوبكم كلها {ويجركم من عذاب أليم} قال ابن عباس فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلًا من الجن فرجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافوه فى البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا الى الجن والإنس جميعًا، قال مقاتل لم يبعث قبله نبى الا الى الانس والجن جميعًا {ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض} أى لا ينجى منه مهرب ولا يعجز الله فيفوته {وليس له من دونه أولياء} أنصار يمنعونه من الله {أولئك فى ضلال مبين} وهذا مقام تهديد وترهيب فدعوا قومهم بالترغيب