كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى} الخ وتفسيرها]-
فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى (1): إلى قوله: عظيم) قال ابن أبى مليكة قال ابن الزبير فكان عمر بعد ذلك (ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر) (2) إذا حدث
__________
في رواية للبخارى أى ليس مقصودك الا مخالفة قولى (1) (التفسير) {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى} أى إذا نطق ونطقتم فعليكم ان لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذى يبلغه بصوته وان تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته لديكم واضحة {ولا تجهروا له بالقول} أى اذا كلمتموه وهو صامت فاياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم ان تتعمدوا فى مخاطبته القول اللين القريب من الهمس الذى يضاد الجهر: أو لا تقولوا يا محمد يا احمد، وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم لا {كجهر بعضكم لبعض} الكاف كاف التشبيه فى محل النصب أى لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض، وفى هذا دليل على انهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا حتى لا يسوغ لهم الا أن يكلموه بالهمس والمخافتة: وانما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة اعنى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وان جلت عن رتبتها {ان تحيط أعمالكم} أى لئلا تحبط حسناتكم، وقيل مخافة ان تحبط أى تبطل {وأنتم لا تشعرون} بذلك: ونزل فيمن كان يخفض عند النبى صلى الله عليه وسلم كأبى بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهم {ان الذين يغضون أصواتهم عن رسول الله أولئك الذين امتحن} أى اختبر {الله قلوبهم للتقوى} قال ابن عباس امتحن الله قلوبهم للتقوى طهرهم من كل قبيح وجعل فى قلوبهم الخوف من الله واخلصها للتقوى، كقولك امتحنت الفضة أى اختبرتها حتى خلصت {لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر عظيم} أى الجنة وما فيها من النعيم المقيم لا أحرمنا الله منها (2) هذه الجملة التى بين قوسين وهى قوله (ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر) وقعت فى الاصل هكذا مقحمة بين اسم كان وخبرها، وصل العبادة قال ابن الزبير فكان عمر بعد ذلك اذا حدث النبى صلى الله عليه وسلم حديثه كأخى السرار لم يسمعه حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر (واليك شرح هذا الكلام) (قال ابن الزبير) يعنى عبد الله (فكان عمر بعد ذلك) يعنى بعد نزول هذه الآية (اذا حدث النبى صلى الله عليه وسلم) كان (حديثه كأخى السرار) والسرار بكسر السين المهملة المساررة، أى كصاحب السرار أو كمثل المساررة لخفض صوته والكاف صفة لمصدر محذوف (لم يسمعه حتى يستفهمه) أى لم يسمعه من اول مرة حتى يطلب منه الاعادة لانخفاض صوته (لم يذكر ذلك) يعنى ان عبد الله بن الزبير لم يذكر ما حصل لعمر فى انخفاض صوته عند النبى صلى الله عليه وسلم (عن أبيه) يريد جده لأمه أسماء (يعنى أبا بكر) واطلاق الأب على الجد مشهور يدل على ذلك ما جاء فى رواية الترمذى بلفظ (وا ذكر ابن الزبير حده يعنى أبا بكر) اهـ (قلت) وان كان ابن الزبير لم يذكر عن أبى بكر مثل ما ذكر عن عمر فقد جاء عند القرطبى والبغوى فى تفسيريهما: قال أبو هريرة لما نزلت {لا ترفعوا أصواتكم} قال أبو بكر والله لا ارفع صوتى الا كاخى السرار (وروى الحاكم) بسنده عن أبى هريرة قال لما نزلت ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه والذى أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار حتى القى الله عز وجل، وصححه الحاكم وأٌره الذهبى (تخريجه) (خ مذ) قال القسطلانى وسيأتى هذا الحديث صورته صورة الارسال، لكن فى آخره انه حمله عن عبد الله بن الزبير