كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[قوله تعالى {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات} الآيتين وتفسيرهما]-
(باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (عن أبى سلمة بن عبد الرحمن) (1) عن الأقرع بن حابس (2) أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات (3) فقال يا رسول الله فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألا إن حمدى زين وإن ذمى شين (4) فقال رسول الله
__________
وكان النصر أخيرًا للمسلمين وقتل مسيلمة الكذاب (تخريجه) (ق) وابن جرير والبغوى وغيرهم (باب) (1) (سنده) حدّثنا عفان ثنا وهيب قال حدثنى موسى بن عقبة قال حدثنى أبو سلمة ابن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس الخ (غريبه) (2) هو الاقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمى، قال ابن اسحاق وفد على النبى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن اسلامه، وقال الزبير فى النسب كان الأقرع حكمًا فى الجاهلية، وقيل انه كان شريفًا فى الجاهلية والاسلام (3) الوراء الجهة التى يواريها عنك الشخص من خلف أو قدام، والحجرات جمع حجرة والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وقرأ العامة الحجرات بضن الجيم وقرأ أبو جعفر بفتحها استثقالًا للضمتين، وقرى الحجرات بسكون الجيم تخفيفًا، والمراد حجرات نساء النبى صلى الله عليه وسلم وكانت لكل منهن حجرة: ومناداتهم من ورائها لعلهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أو نادوه من وراء الحجرة التى كان فيها ولكنها جمعت اجلالًا له صلى الله عليه وسلم (فان قيل) جاء فى الحديث ان الذى نادى الأقرع ابن حابس وحده وجاء فى القرآن بلفظ الجمع (ويجاب عن ذلك) بأن الفعل وان كان مسندًا الى جميعهم فانه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين فكأنهم تولوه جميعًا، وحكى القرطبى عن مجاهد وغيره قال نزلت فى أعراب بنى تميم قدم الوفد منهم على النبى صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد ونادوا النبى صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته ان أخرج الينا فان مدحنا زين وذمنا شين، وكانوا سبعين رجلًا قدموا لفداء درارى لهم وكان النبى صلى الله عليه وسلم نام للقائلة، قال وروى ان الذى نادى الأقرع بن حابس وانه القائل ان مدحى زين وان ذمى شين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم ذاك الله عز وجل (يعنى حديث الباب) والظاهر أن الأقرع بن حابس انضم الى وفد بنى تميم لأنهم من قبيلته مستشفعًا لهم عند النبى صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم، ولذلك قال افرزدق يفخر بعمه الاقرع (وعند رسول الله قام ابن حابس ... بخطه أسوار الى المجد حازم) (له اطلق الاسرى التى فى قيودها ... مغلقة اعناقها فى الشكائم) (4) مقصود الرجل من هذا القول مدح نفسه واظهار عظمته يعنى ان مدحت رجلًا فهو محمود ومزين وان ذممت رجلًا فهو مذموم ومعيب: فقال له النبى صلى الله عليه وسلم (ذاك الله عز وجل) يعنى الذى حمده زين وذمه شين هو الله سبحانه وتعالى (تخريجه) أورده الحافظ الهيثمى وقال رواه احمد والطبرانى واحد اسنادى احمد رجاله رجال الصحيح ان كان أبو سلمة سمع من الأقرع والا فهو مرسل كاسناد احمد الآخر اهـ (قلت) قال الحافظ فى الاصابة وقع فى رواية ابن جرير التصريح بسماع أبى سلمة من الأقرع اهـ (قلت) يعنى ما رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة عن أبى سلمة قال حدثنى الأقرع بن حابس التميمى انه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اخرج الينا فنزلت {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات} الحديث، ورواه أيضًا الترمذى من وجه آخر عن البراء بن عازب وقال هذا حديث حسن غريب (أما تفسير الآيتين) فقوله تعالى {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون} أى من جملة قوم الغالب عليهم الجهل وقله العقل {ولو انهم صبروا} اى انتظروا خروجك {لكان خيرًا لهم} أى أصلح لهم فى دينهم ودنياهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها

الصفحة 281