كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[صفة جبريل ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم إياه مرتين على صورته الأصلية]-
قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال فلما أحس جبريل ربه (1) عاد في صورته وسجد
__________
والربيع وابن زيد معناه أوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أوحى) إليه ربه عز وجل، قال سعيد بن جبير أوحى إليه (الم يجدك يتيمًا فآوى) إلى قوله (ورفعنا لك ذكرك) وقيل أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك (1) أي وجد عظمة ربه عز وجل (ما كذب الفؤاد ما رأى) قرأ أبو جعفر ما كذب بتشديد الذال أي ما كذب قلب م حمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه وحققه، وقرأ الآخرون بالتخفيف أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه يقال كذبه إذا قال له الكذب، وصدقه إذا قال له الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى، واختلفوا في الذي رآه فقال قوم رأى جبريل وهو قول ابن مسعود وعائشة، أما قول ابن مسعود فيستفاد من هذا الحديث وحديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه الآية (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل وله ستمائة ألف جناح ينتثر من ريشه التهاويل (وهي الأشياء المختلفة الألوان) من الدر والياقوت، قال الحافظ بن كثير وهذا إسناد جيد قوي اهـ وسيأتي له أحاديث أخرى، 0 وأما قول عائشة) فقد جاء في غير حديث أيضًا (منها) ما رواه الشيخان والإمام أحمد عن مسروق عن عائشة قالت قلت أليس الله يقول (ولقد رآه بالأفق المبين الحديث سيأتي في هذا الباب، وروى مسلم والبغوي والإمام أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) (ولقد رآه نزلة أخرى) قال رآه (يعني النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل (بفؤاده مرتين) وروى عكرمة عن ابن عباس قال إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدًا بالرؤية فكانت عائشة رضي الله عنها تقول لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه: وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام (قال الحافظ) والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل كما ذهبت إلى ذلك عائشة: والتقدير على رأيه فأوحى أي جبريل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبريل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد: ومنهم من قال إلى جبريل (قال الحافظ ابن القيم) في زاد المعاد، أما قوله تعالى في سورة النجم ثم دنى فتدلى فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فأن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال، علمه شديد القوى وهو جبريل، ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة، وهو الذي استوى بالأفق الأعلى، وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى، فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيها أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى اهـ (قلت) مبحث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل وكلام العلماء في ذلك سيأتي مستوفى في شرح حديث الإسراء من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (أفتمارونه على ما يرى) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب أفتمرونه بفتح التاء بلا ألف أي أتجحدونه، تقول العرب مريت الرجل

الصفحة 287