كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[قوله تعالى (ولقد رآه عند سدرة المنتهى - إلى قوله - لقد رأى من آيات ربه الكبرى)]-
فقوله (ولقد رآه نزلة أخرى (1) عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال خلق جبريل عليه السلام (عن عاصم بن بهدلة) (2) قال سمعت شقيق بن سلمة يقول سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل على سدرة المنتهى (3) وله ستمائة جناح قال سألت عاصمًا عن الأجنحة فأبى أن يخبرني، قال فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب (عن عبد الرحمن بن يزيد) (4) عن عبد الله في قوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل
__________
حقه إذا جحدته، وقرأ الآخرون أفتمارونه بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه على ما يرى من المراء وهو المجادلة (1) (ولقد رآه نزلة أخرى) مرة أخرى من النزول نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها أي نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج (عند سدرة المنتهى) الجمهور على أنها شجرة نبق بكسر الباء ويقال نبق بفتح النون وسكون الباء والأول أنصح، أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة عن يمين العرش والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء أو الانتهاء، كأنها في منتهى الجنة وآخرها، وفي بعض الروايات لم يجاوزها أحد وغليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها، وقيل ينتهي إليها أرواح الشهداء، روى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام، ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب: فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال، وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان، لو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض، وهي طوبى التي ذكرها الله في سورة الرعد (عندها جنة المأوى) أي الجنة التي يصير إليها المتقون، وقال عطاء عن ابن عباس جنة المأوى جنة يأوي إليها جبريل والملائكة، وقال مقاتل والكلبي يأوي إليها أرواح الشهداء (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال ابن مسعود: فراش من ذهب (والفراش بفتح الفاء دويبة ذات جناحين تتهافت في ضوء السراج واحدتها فراشة: والمعنى رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى وهو تعظيم وتكبير لما يغشاها فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياء لا يحيظ بها الوصف، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله تعالى عندها (ما زاغ البصر وما طغى) قال ابن عباس أي ما عدل يمينًا ولا شمالًا ولا تجاوز الحد الذي رأى، وقيل ما جاوز ما أمر به، وقيل لم يمد بصره إلى غير ما رأى من الآيات، وهذا وصف أدب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام: إذ لم يلتفت يمينًا ولا شمالًا (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) الآيات التي هي كبراها وعظماها يعني حين رقى به إلى السماء فأرى عجائب الملكوت، وفسره ابن مسعود في الحديث فقال: خلق جبريل يعني صورته الأصلية (تخريجه) غريب اهـ (قلت) الحديث سنده صحيح لولا الشك في وصله عن ابن مسعود وله شواهد كثيرة وطرق متعددة تعضده (2) (سنده) حدثنا زيد بن حباب حدثني حسين حدثني عاصم بن بهدلة الخ (غريبه) (3) هذه الرؤية في المرة الثانية ليلة الإسراء (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده ومتنه وعزاه للإمام أحمد وقال هذا إسناد جيد (4) (سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن