كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)
-[معجزة انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم وتكذيب الكفار وكلام العلماء في ذلك]-
مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية (1) فانشق القمر بمكة مرتين (2) فقال (اقتربت الساعة (3) وانشق القمر
__________
عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن قتادة عن أنس (يعني ابن مالك) الخ (غريبه) (1) أي معجزة تشهد لما ادعاه من نبوته (2) تكلم الحافظ ابن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة ويراد بها الأعيان أخرى، والأول أكثر، ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفي هذا على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين، وهذا مما يعلم اهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد وقع للعماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين (قلت) وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات (3) (التفسير) (اقتربت الساعة) أي قربت مثل أزفت الآزفة فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبه لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روي قتادة عن أنس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى: وما نرى من الشمس إلا يسيرًا رواه البزار بسند لا بأس به ويعضده ما جاء عند الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر قال كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى (وما أخرجه الشيخان والإمام أحمد) عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بشت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى: ومعناه أنه لم يبق من عمر الدنيا إلا كما بقي من الوسطى بالنسبة للسبابة (وانشق القمر) روى أبو نعيم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين: فسأل ربه فانشق (وإن يروا آية) أي دليلًا وحجة وبرهانًا (يعرضوا) أي لا ينقادوا له بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم (ويقولوا سحر مستمر) أي ويقولون هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به، ومعنى مستمر أي ذاهب قاله مجاهد وقتادة وغيرهما أي باطل مضمحل لا دوام له (عن عبد الله بن مسعود) قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كفار قريس هذا سحر ابن أبي كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتيكم به السُّفار فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم (دطل هق) زاد البيهقي قال وسئل السفار قال وقدموا من كل وجهة فقالوا رأينا (قال ابن عبد البر) قد روى هذا الحديث يعني حديث انشقاق القمر عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأييد بالآية الكريمة (تخريجه) (م وغيره) قال الخطابي انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السموات، خارجًا عن جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر: وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أثره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء، والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلًا لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نيامًا مستكنين بالأبنية فلهذا لم يشعر به أكثر الناس وإنما رآه من تصدى لرؤية ممن اقترح وقوعه، اهـ باختصار، وقال الحافظ ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى أتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق