كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

-[قوله تعالى (يوم يسحبون في النار على وجوههم) الخ]-
وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) (عن أبي إسحاق) (1) قال رأيت رجلًا سأل الأسود بن يزيد وهو يُعَلم القرآن في المسجد فقال كيف تقرأ هذا الحرب (فهل من مذّكِر) أذال أم دال (2) فقال لا بل دال، ثم قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها مدكر دالا (عن أبي هريرة) (3) قال جاء مشركوا قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه (4) في القدر فنزلت (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر) (5)
__________
وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع، قال والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر اهـ وفي الباب أحاديث كثيرة للإمام أحمد ستأتي في باب (ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر) من أبواب المعجزات في كتاب السيرة النبوية (فائدة) وقع انشقاق القمر بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين أفاده الحافظ (1) (سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال رأيت رجلًا الخ (غريبه) (2) معناه تقرؤها بالدال المهملة المشددة أم بالذال المعجمة المشددة أيضًا فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها بالدال المهملة أم بالذال المعجمة المشددة أيضًا فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها بالدال المهملة ومعناه متعظ خائف يتعظ ويعتبر، وأصله مذتكر بالذال والتاء من الذكر فثقلت على الألسنة فقلبت التاء دالًا لتوافق الذال في الجهر وأدغمت الدال فيها، وأول الآية (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) وتفسيرها (ولقد تركناها) يعني الفعلة التي فعلنا بقوم نوح من الغرق (آية) يعتبر بها، وقيل أراد السفينة: قال قتادة أبقاها الله بباقِردى من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة واستظهر الحافظ ابن كثير أن المراد من ذلك جنس النفس كقوله تعالى (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) وقال تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) ولهذا قال ها هنا (فهل من مدكر) أي فهل من يتذكر ويتعظ والله أعلم (تخريجه) (ق والثلاثة) (3) (سنده) حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة الخ (غريبه) (4) أي يجادلونه في القدر (قال النووي) المراد بالقدر هنا القدر المعروف، وهو ما قدر الله وقضاءه وسبق به علمه وإرادته، وأشار الباجي إلى خلاف هذا وليس كما قال، وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له (5) (التفسير) هذه الآية مرتبطة بالآية التي قبلها وهي قوله تعالى (إن المجرمين في ضلال) يخبر تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق (وسعر) بضم السين والعين المهملتين أي احتراق وقيل جنون مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء: وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع ومكذب بالقدر من سائر الفرق، ثم قال تعالى (يوم يسحبون في النار على وجوههم) أي كما كانوا في سُعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار، وكما كانوا ضلالًا يسحبون فيها على وجوههم لا يدرون أين يذهبون ويقال لهم تقريعًا وتوبيخًا (ذوقوا مس سقر) مسها ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها (وسقر) اسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنه اسم مؤنث معرفة، وكذا لظى وجهنم،

الصفحة 291