كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 18)

قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي (1) الرؤيا الصادقة (2) في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل (3) فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء (4) فكان يأتي غار حراء (5) فيتحنث فيه وهو التعبد (6) الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها (7) حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه (8) الملك فيه فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بقارئ (9) قال فأخذني فغطني (10) حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني (11) فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ مالم يعلم (يعني علم الإنسان
__________
فأخبرني عروة عن عائشة انها قالت أول ما بدئ به الخ (غريبه) (1) يحتمل أن يكون (من) تبعيضية أي من أقسام الوحي ويحتمل أن تكون بيانية ورجحة القزاز (2) هي التي ليس للشيطان فيها نصيب وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة ايضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر (3) بنصب مثل على الحال أي مشبهة ضياء الصبح او على أنه صفة لمحذوف أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح والمراد بفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه وانما ابتدئ بالرؤيا لئلا يفاجئ الملك ويأتيه بصريح النبوة فلا تحتمله القوى البشرية (4) أي الهمه الله تعالى حب الخلاء والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له (5) بكسر الحاء المهملة والمد اسم جبل معروف بمكة والغار نقب فيه وخص حراء بالتعبد فيه لأنه يرى الكعبة منه وهو عبادة (وقوله فيتحنث) هي بمعنى يتحنف أي يتبعي الحنيفية وهي دين ابراهيم ووقع في رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء والتحنث القاء الحنث وهو الاثم كما قيل يتأثم ويتحرج (6) وهو التعبد الخ هذه الجملة مدرجة في الحديث وهي من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي وفي رواية للبخاري من طريق يونس عن الزهري في التفسير ما يدل على الادراج (قال الحافظ) وقوله الليالي ذوات العدد يتعلق بقوله يتحنث وابهم لاختلافه كذا قيل وهو بالنسبة الى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهل والا فاصل الخلوة عرفت مدتها وهي شهر وذلك الشهر كان رمضان رواه ابن اسحاق (والليالي) منصوبة على الظرف وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء (7) أي الليالي والتزود استصحاب الزاد ويتزود معطوف على يتحنث وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي (وقوله فجئه) بكسر الجيم أي جاءه الأمر الحق بغتة (8) قال الحافظ هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به بل هو نفسه ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه بل التفسير عين المفسر به من جهة الاجمال وغيره من جهة التفصيل (9) ما نافية والياء زائدة لتأكيد النفي أي ما أحسن القراءة (10) بغين معجمة وطاء مهملة مشددة والغط حبس النفس ومنه غطه في الماء أو أراد غمنى ومنه الخنق ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن فأخذ بحلقى (وقوله حتى بلغ من الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال المهملة أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعى فهو مفعول حذف فاعله ويروى الجهد بضم الجيم والدال أي بلغ الجهد مني مبلغه وكذا يقال فيما بعده وهذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقى اليه وكرره للمبالغة وقيل الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا والثانية ليتفرغ لما يوحى اليه والثالثة للمؤانسة (11) اي اطلقني بعد أن قلت ما أنا بقارئ ثلاث مرات

الصفحة 47