كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

إنه ليتجلجل الى يوم القيامة (باب ما جاء فى ذم قارون وفرعون وهامان) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) (1) عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان وكان
__________
نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون) وهذا الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا اليه من معنى قوله (أنما أوتيته على علم عندى) وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيميا أو أنه كان يحفظ الأسم الأعظم فاستعمله فى جمع الأموال فليس بصحيح، لأن الكيمياء تخييل وصبغة لا تحيل الحقائق ولا تشابه صنعة الخالق والأسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافرا فى الباطن منافقا فى الظاهر (فخرج على قومه فى زينته) ذكر كثير من المفسرين أنه خرج فى تجميل عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه وله، فلما سمع مقالتهم العلماء ذوو الفهم الصحيح الزهاد الالباء قالوا لهم (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) أى ثواب الله فى الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى قال الله تعالى (ولا يلقاها الا الصابرون) أى وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة وهذه الهمة السامية الى الدار الآخرة عند النظر الى زهرة هذه الدنيا الدنية الا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده، قال تعالى (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لما ذكر الله تعالى خروجه فى زينته واختياله فيها وفخره على قومه بها قال فخسفنا به وبداره الارض، (وقد ذكر السدى وابن عباس) أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو فى ملأ من الناس انك فعلت بى كذا وكذا، فيقال إنها قالت ذلك فأرعد من الفرق (يعنى الخوف) وصلى ركعتين ثم أقبل اليها فاستحلفها من ذلك على ذلك وما حملك عليه؟ فذكرت أن قارون هو الذى حملها على ذلك وأستغفرت الله وتابت اليه، فعند ذلك خر موسى لله ساجدا ودعا الله على قارون، فأوحى الله اليه انى قد أمرت الارض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك والله أعلم وقد روى عن قتادة أنه يخسف كل يوم قامة الى يوم القيامة، (وعن ابن عباس) أنه قال فخسف بهم الى الارض السابعة، وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا اسرائيليات كثيرة اضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا وقوله تعالى (فما كان له من فئة يتصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لم يكون له ناصر من نفسه ومن غيره، ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الاموال وخراب الديار وأهلاك النفس والأهل والعقار ندم من كان تمنى مثل ما أوتى وشكروا الله تعالى الذى يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير، ولهذا قالوا (لولا أن من الله علينا لخسف بنا وى كأنه لا يفلح الكافرون) قال قتادة وى كأن بمعنى ألم تر أن وهذا قول حسن من حيث المعنى والله أعلم (قال) وقصة هارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر لقوله فخسفنا به وبداره الارض فان الدار ظاهرة فى البنيان، وقد تكون بعد ذلك فى التيه وتكون الدار عبارة عن المحلة التى تضرب فيها الخيام كما قال عنترة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمى __________ وعمى صباحا دار عبلة واسلمى
(باب) (1) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه

الصفحة 102