كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

.
__________
(ذكر كالب بن يوفنا) قال ابن جرير فى تاريخه لا خلاف بين أهل العلم باخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بنى اسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا يعنى أحد أصحاب موسى عليه السلام وهو زوج أخته مريم وهو أحد الرجلين الذين ممن يخافون الله وهما يوشع وكالب، وهما القائلان لبنى اسرائيل حين نكلوا عن الجهاد (ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين) قال ابن جرير ثم من بعده كان القائم بأمور بنى اسرائيل حزقيل ابن بو ذى وهو الذى دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.
(قصة حزقيل)
قال الله تعالى (آلم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) فقوله تعالى ألم تر الى الذين خرجوا من ديارهم، قال على بن عاصم كانوا من أهل داور دان قرية على فرسخ قبل واسط (وهم ألوف) فاختلف العلماء فى عددهم فذكروا أقوالا من ثلاثة آلاف الى سبعين الفا (قال الامام البغوى) فى تفسيره وأولى الاقاويل قول من قال كانوا زيادة على عشرة آلاف لأن الله تعالى قال وهم ألوف والألوف جمع الكثير، وجمعه القليل آلاف والألوف لا يقال لما دون عشرة آلاف (حذر الموت) ذكر غير واحد من السلف ان هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة فى زمن بنى اسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارا من الموت هاربين الى البرية، فنزلوا واديا افيح فملئوا ما بين عدوتيه، فأرسل الله اليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادى والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد، وماتت دوابهم، فخرج اليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها حتى صاروا عظاما بالية وفنوا وتمزقوا وتفرقوا: فلما كان بعد دهر مرّ بهم نبى من بنى اسرائيل يقال له حزقيل فسأل الله ان يحييهم على يديه فاجابه الى ذلك وأمره أن يقول آيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما وعصبا وجلداً فكان ذلك وهو يشاهده، ثم أمره فنادى أيتها الأرواح إن الله يأمرك ان ترجع كل روح الى الجسد الذى كانت تعمره فقاموا أحياءا ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدنهم الطويلة وهم يقولون سبحانك لا إله إلا أنت، وكان فى أحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسمانى يوم القيامة، وهذا معنى قوله تعالى (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس) فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) أى لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم فى دينهم ودنياهم وفى هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغنى حذر من قدر، وأنه لا ملجأ من الله الا اليه فان هؤلاء خرجوا فرارا من الوباء طلبا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعا فى آن واحد، ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذى رواه الشيخان الامام احمد وتقدم فى باب النهى عن الإقدام على أرض بها الطاعون من أبواب الطاعون والوباء فى الجزء السابع عشر صحيفة 206 رقم 207 أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج الى الشام فلما جاء سرغ بلغه ان الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا اسمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه: واذا اوقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، فرجع عمر بن خطاب من سرغ قال محمد بن اسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل فى بنى اسرائيل، ثم ان الله قبضه اليه فلما قبض نسى بنوا اسرائيل عهد الله اليهم وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الاوثان وكان

الصفحة 107