كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
بلياء بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح، قالوا وكان أبوه من الملوك وأختلفوا فى سبب تلقيبه بالخضر، فقال الاكثرون لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأرض، وقيل الهشيم من النبات، وقيل لانه كان اذا صلى اخضر ما حوله، والصواب الأول واستدل على هذا التصويب بحديث الباب، ثم قال
فهذا نص صريح صحيح، وكنية الخضر أبو العباس وهو صاحب موسى النبى صلى الله عليه وسلم الذى سأل السبيل الى لقيه، وقد أثنى الله تعالى عليه فى كتابه بقوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) فاخبر الله عنه فى باقى الآيات بتلك الأعجوبات وموسى الذى صحبه هو موسى بنى إسرائيل كليم الله تعالى كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم وهو مشتمل على عجائب من أمرهما، (واختلفوا فى حياة الخضر) ونبوته، فقال الأكثرون من العلماء هو حى موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم فى رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده فى المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر واشهر من أن تذكر، قال الشيخ أبو عمر بن الصلاح فى فتاويه هو حى عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك، قال وانما شد بإنكاره بعض المحدثين قال وهو نبى (واختلفوا فى كونه مرسلا) وكذا قاله بهذه الحروف غير الشيخ من المتقدمين، وقال أبو القاسم القشيرى فى رسالته فى باب الأولياء لم يكن الخضر نبيا وإنما كان وليا، وقال أقضى القضاة الماوردى فى تفسيره قيل هو ولى وقيل هو نبي وقيل انه من الملائكة، وهذا الثالث غريب ضعيف أو باطل، وفى آخر صحيح مسلم فى أحاديث الدجال انه يقتل رجلا ثم يحيا، قال ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم يقال إن ذلك الرجل هو الخضر، وكذا قال معمر فى مسنده انه يقال انه الخضر، وذكر أبو اسحاق الثعلبى المفسر اختلافا فى أن الخضر كان فى زمن ابراهيم الخليل عليه السلام أم بعده بقليل أم بعده بكثير، قال والخضر على جميع الأقوال نبى معمر محجوب عن الأبصار، قال وقيل إنه لا يموت إلا فى آخر الزمان عند رفع القرآن انتهى ما ذكره النووى (قلت) وللمحافظ ابن كثير كلام فى تاريخه عن نبوته وموته (أما عن نبوته) فقد قال رحمه الله دلت قصته مع نبى الله موسى عليهما السلام التى ذكرها الله عز وجل فى كتابه على نبوته من وجوه (أحدها) قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) (الثانى) قول موسى له (هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا: الى قوله تعالى (حتى أحدث لك منه ذكرا) فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى انما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذى اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبى لم يكن معصوما ولم تكن لموسى وهو نبى عظيم ورسول كريم واجب العصمة كبير رغبة ولا عظيم طلبة فى علم ولىّ غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب اليه والتفتيش عليه ولو انه يمضى حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعقله واتبعه فى صورة مستفيد منه دل على انه نبى مثله يوحى اليه، كما يوحى اليه، وقد خص من العلوم الدينية والأسرار النبوية بما لم يطلع عليه موسى الكليم نبى بنى اسرائيل الكريم، وقد احتج بهذا المسلك بعينه البرقانى على نبوة الخضر عليه السلام (الثالث) أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحى اليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقل على نبوته وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولى لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى فى خلده لأن خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذى لم يبلغ الحلم علما بأنه اذا بلغ يكفر ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له