كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

.
__________
ثم خلف من بعد الياس اليسع فكان فيهم ما شاء الله، ثم قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا فظهر لهم عدو يقال له البلثائا، وهو قوم جالوت يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة، فظهروا على بنى اسرائيل وغلبوا على كثير من أرضهم وسبوا كثيرا من ذرأريهم، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما فضربوا عليهم بالجزية، واخذوا التوراة من بين أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلا القليل، وانقطعت النبوة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوى الذى يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من بعلها وقد قتل، فأخذوها فحبسوها فى بيت واحتفظوا بها لعل الله يرزقها غلاما يكون نبيا لهم، ولم تزل المرأة تدعوا الله عز وجل أن يرزقها غلاما: فسمع الله لها ووهبها غلاماً فسمته شمويل أى سمع الله دعائى، ومنهم من يقول شمعون وهو بمعناه، فشب ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته الله نباتاً حسنا، فلما بلغ سن الانبياء أوحى الله اليه وأمره بالدعوة اليه وتوحيده فدعا بنى اسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم، وكان الملك أيضا قد باد فيهم، فقال لهم النبى (هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ان لا تقاتلوا؟) معناه يقول لعلكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك أن لا تقاتلوا أى لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا معه (قالوا وما لنا أن لا نقاتل فى سبيل الله) قال الأخفش (أن) هنا زائدة ومعناها ومالنا لا نقاتل فى سبيل الله، وقال الفراء أى وما يمنعنا أن لا نقاتل فى سبيل الله (وقد اخرجنا من ديارنا وأبنائنا) أى وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد، والمعنى كنا نزهد فى الجهاد إذ كنا ممنوعين فى بلادنا لا يظهر علينا عدونا، فأما اذ بلغ ذلك منا فنطيع ربنا فى الجهاد ونمنع نساءنا وأولادنا قال تعالى (فلما كتب عليهم القتال تولوا) أعرضوا عن الجهاد وضيعوا أمر الله (إلا قليلا منهم) وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغَرفة على ما سيأتى (والله عليم بالظالمين) أى الذين نكلوا ولم يفوا بما وعدوا (وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) أى لما طلبوا من نبيهم ان يعين لهم ملكا منهم فعين لهم طالوت وكان رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم، لأن الملك كان فى سبط يهوذا ولم يكن هذا من ذلك السبط، فلهذا قالوا (أنى يكون له الملك علينا) أى كيف يكون ملكا علينا (ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) أى ثم هو مع هذا فقير لا مال له يقوم الملَك: وقد ذكر بعضهم انه كان سقاء وقيل دباغا، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف، فأجابهم النبى قائلا (ان الله اصطفاه عليكم) أى اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم، يقول لست أنا الذى عينته من تلقاء نفسى، بل الله أمرنى به لما طلبتم منى ذلك (وزاده بسطة فى العلم والجسم) أى وهو مع هذا أعلم منكم واقبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا فى الحرب ومعرفة بها، أى اتم علما وقامة منكم: ومن هذا ينبغى ان يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة فى بدنه ونفسه ثم قال (والله يؤتى ملكه من يشاء) أى هو الحاكم الذى ما شاء فعل ولا يسئل عما يفعل لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه، ولهذا قال (والله واسع عليم) أى هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه (وقال لهم نبيهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت) قال الامام البغوى فى تفسيره وكانت قصة التابوت ان الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صورة الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان من عود الشمشاد نحوا من ثلاثة اذرع فى ذراعين، فكان عند آدم الى ان مات ثم بعد ذلك عند شيث، ثم توارثه أولاد آدم الى ان بلغ ابراهيم، ثم كان عند اسماعيل لأنه كان أكبر ولده، ثم عند يعقوب، ثم كان فى بنى اسرائيل إلى أن وصل إلى موسى

الصفحة 113