كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
كما سيأتي بيانه فى سورة الأنعام يعنى قوله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان) الى قوله (ويحي وعيسى) الآية: قوله عز وجل (إذ قالت امرأة عمران) امرأة عمران هذه هى أم مريم عليها السلام وهى حنة بنت ناقوذ، قال محمد بن اسحاق وكانت امرأة لا تحمل فرأت يوما طائرا يزق فرخه فاشتهت الولد فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها فحملت منه فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محرراً أى خالصا مفرغا للعبادة لخدمة بيت المقدس فقالت (رب أنى نذرت لك ما فى بطنى محرراً فتقبل منى إنك أنت السميع العليم) أى السميع لدعائى العليم بنيتى، ولم تكن تعلم ما فى بطنها أذكر أم أنثى (فلما وضعتها قالت رب انى وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى) أى فى القوة والجلد فى العبادة وخدمة المسجد الأقصى (وانى سميتها مريم وانى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) أى عوَذتها بالله عز وجل من شر الشيطان وعوَذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام، فاستجاب الله لها ذلك، وسيأتى ما ورد فى فضلها وفضل ابنها فى الباب التالى قال تعالى (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا) أى يسَر لها أسباب القبول وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال (وكفلها زكريا) بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعوليه أى جعله كافلا لها: قال ابن اسحاق وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة، وذكر غيره ان بنى اسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين والله أعلم، وانما قدر الله كون زكريا كفلها لسعادتها لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن اسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل زوج أختها كما ورد فى الصحيح بلفظ (فاذا بيحي وعيسى وهما ابنا الخالة) وقد يطلق على ما ذكره ابن اسحاق توسعا، فعلى هذا كانت فى حضانة خالتها ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلادتها فى محل عبادتها فقال (فلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) قال جماعة من السلف يعنى وجد عندها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف، وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفى السنة لهذا نظائر كثيرة، فاذا رأى زكريا هذا عندها (قال يا مريم أنىَّ لك هذا؟) أى يقول من أين لك هذا؟ (قالت هو من عند الله: إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنا لك دعا زكريا ربه) لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء طمع حينئذ فى الولد وان كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداءا خفيا وقال (رب هب لى من لدنك ذرية طيبة) أى ولدا صالحا (انك سميع الدعاء) قال الله تعالى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب) أى خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلى فى محراب عبادته ومحل خلوتة ومجلس مناجاته وصلاته ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة (أن الله يبشرك بيحي) أى يوجد ويولد لك غلام من صلبك اسمه يحي، قال قتادة وغيره إنما سمى يحي لأن الله أحياه بالإيمان وقوله (مصدقا بكلمة من الله) أى بعيسى بن مريم وقال الربيع بن أنس هو أول من صدّق بعيسى بن مريم، وقال قتادة وعلى سنته ومناهجه، وهو أول من صدَق عيسى، بنى الله وكلمته وهو أكبر من عيسى عليه السلام، وسمى عيسى كلمة الله لأن الله تعالى قال له كن من غير أب فكان فوقع عليه اسم الكلمة، وقيل هى بشارة الله تعالى لمريم بعيسى عليه السلام بكلامه على لسان جبريل عليه السلام وقيل غير ذلك: قوله عز وجل (وسيدا) قال مجاهد وغيره هو الكريم على الله عز وجل، وقال قتادة سيدا فى العلم والعبادة وقيل غير ذلك (وحصوراً) قال القاضى عياض معناه أنه