كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

__________
وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم (باب ما جاء فى حمله وولادته وما ظهر له من المعجزات وهو فى المهد من كتاب الله عز وجل) لما ذكر الله تعالى قصة زكريا عليه السلام وانه أوجد منه فى حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا عطف بذكر قصة مريم فى إيجاده ولدها عيسى عليه السلام منها من غير أب: فان بين القصتين مناسبة ومشابهة، ولهذا ذكرهما فى سورة آل عمران كما تقدم، وها هنا فى سورة مريم يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما فى المعنى ليدل عباده على قدره وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قدير فقال عز من قائل (واذكر فى الكتاب مريم) وهى مريم بنت عمران من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب فى بنى اسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها فى سورة آل عمران وانها نذرتها محررة أى تخدم بيت المقدس وكانوا يتقربون بذلك فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا ونشأت فى بنى اسرائيل نشأة عظيمة فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل، وقد اتخذت لها محرابا وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سوى زوج أختها أو خالتها نبى ذلك الزمان زكريا عليه السلام الذى كفلها، وكانت لا تخرج من المسجد إلا زمن حيضا أو لحاجة ضرورية لابد لها منها من أستقاء ماء أو تحصيل غداء أو نحو ذلك قال تعالى (إذا نتبذت من أهلها مكانا شرقيا) أى اعتزلتهم وتنحت عنهم وذهبت الى شرقى المسجد المقدس، قال السدى لحيض أصابها (فاتخذت من دونهم حجابا) أى استرت منهم وتوارت فبينما هى تغتسل من الحيض إذ عرض لها جبريل فى صورة شاب أمرد وضيء الوجه سوئ الخلق فلذلك قوله عز وجل (فأرسلنا أليها روحنا) يعنى جبريل عليه السلام فالروح هو جبريل، ويؤيد ذلك قوله تعالى فى آية أخرى (نزل به الروح الأمين) ومعلوم ان الذى نزل بالقرآن هو جبريل (فتمثل لها بشرا سويا) أى سوىّ الخلق، فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد و (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) أى مؤمنا مطيعا (فان قيل) إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (قيل) هذا كقول القائل إن كنت مؤمنا فلا تظلمنى أى ينبغى أن يكون إيمانك مانعا لك من الظلم، وكذلك ههنا معناه ينبغى ان تكون تقواك مانعة لك من الفجور (قال) لها جبريل (إنما أنا رسول ربك لأهب لك) اسند الفعل الى الرسول وان كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به (غلاما زكيا) ولدا صالحا طاهرا من الذنوب (قالت) مريم (أنى) من اين (يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر) لم يقربنى زوج (ولم أك بغيا) زانية تريد ان الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن هنا واحد منهما (قال) جبريل الأمر (كذلك) يعنى أمر الله ان يخلق غلاما منك من غير أب (قال ربك هو على هين) أى خلق ولد بلا أب (ولنجعله آية) علامة (للناس) دلالة على قدرتنا (ورحمة منا) ونعمة لمن تبعه على دينه (وكان) ذلك (أمرا مقضيا) محكوما به مفروغا منه لا يرد ولا يبدل، يقول تعالى مخبرا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال انها استلمت الله تعالى، فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك وهو جبريل عليه السلام عند ذلك نفخ فى جيب درعها فنزلت النفخة حتى ولجت فى الفرج فحملت بالولد بإذن الله تعالى فلما حملت به ضاقت ذرعا ولم تدر ماذا تقول الناس فأنها تعلم ان الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به (فانتبذت به) أى فلما حملته انتبذت به أى تنحت بالحمل وانفردت (مكانا قصيا) اى بعيدا عن أهلها، قال ابن عباس أقصى الوادى وهو وادى بيت لحم فرارا من قومها ان يعيروها بولادتها من غير زوج (واختلفوا فى مدة حملها) لفقا أبن عباس كان الحمل والولادة فى ساعة واحدة، وقبل كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء

الصفحة 135