كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
وقيل كان مدة حملها ثمانية أشهر، وكان ذلك آية اخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر، وولد عيسى لهذه المدة وعاش، وقيل ولدت لستة أشهر، وقال مقاتل بن سليمان حملته مريم فى ساعة وصوَّر فى ساعة ووضعته فى ساعة حين زالت الشمس من يومها وهى بنت عشر سنين، وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى والله أعلم (فأجاءها) اى ألجأها وجاء بها (المخاض) وهو وجع الولادة (الى جذع النخلة) وكانت نخلة يابسة فى الصحراء فى شدة الشتاء لم يكن لها سعف، وقيل التجأت اليها لتستند اليها وتتمسك بها على وجع الولادة (قالت يا ليتنى مت قبل هذا) تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة (وكنت نسيا) وهو الشئ المنسى، والنسي فى اللغة كل ما القى ونسى ولم يذكر لحقارته (منسيا) أى متروكا (فناداها من تحتها) يعنى جبريل عليه السلام وكانت مريم على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها وهو قول ابن عباس والسدى وقتاده والضحاك ان المنادى كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها (أن لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا) السرى النهر الصغير أى جعله الله تحت أمرك إن أمرتيه يجرى جرى وأن أمرتيه بالامساك أمسك، قال ابن عباس ضرب جبريل عليه السلام ويقال عيسى ضرب برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى، وقيل كان هناك نهر يابس أجرى الله تعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة فأورقت وأثمرت وأرطبت، وقال الحسن تختك سريا يعنى عيسى وكان والله عبداً سريا يعنى رفيعا (وهزى اليك) يعنى قيل لمريم حركى (بجذع النخلة) تقول العرب هزه وهز به كما تقول حز رأسه وحز برأسه، وامداداً لحبل وأمدد به (تساقط عليك) أى تسقط عليك النخلة (رطبا جنيا) أى مجنيا وقيل الجنى هو الذى جاء أوان اجتنائه، قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل (فكلى واشربى) يعنى فكلى يا مريم من المرطب واشربى من ماء النهر (وقرّى عينا) يعنى طيبى نفسا وقيل قرى عينك بولدك عيسى يقال أقرّ الله عينك يعنى صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينك من النظر أليه، وقيل أقر الله عينه يعنى أقامها يقال قر يقر بذا سكن (فاءمَّا تَرِينَّ من البشر أحداً) يعنى تَرّين فدخل عليه نون التوكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين، معناه فإماَ ترين من البشر أحداً فيسألّك عن ولدك (فبقولى انى نذرت للرحمن صوما) يعنى صمتا، وكذلك كان يقرؤ ابن مسعود، والصوم فى اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام، قال السدى كان فى بنى اسرائيل اذا أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسى، وقيل إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا اشارة، وقيل أمرها أن تقول هذا القدر نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده (فلن أكلم اليوم إنسيا) يقال كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس (فأتت به قومها تحمله) وقيل إنها ولدته ثم حملته فى الحال الى قومها فلما دخلت على أهلها ومعها الصبى بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) أى عظيما منكراً، قال أبو عبيدة كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فرىّ ثم تعجبوا كيف تأتى بولدهن غير أب (يا أخت هارون) يريد شبيهة هارون قال قتادة وغيره كان هارون رجلا صالحا عابدا فى بنى اسرائيل شبهوها به على معنى أننا ظننا أنك مثله فى الصلاح وليس المراد منه الأخوة فى النسب وقال السدى إنما عنوا به هارون أخاه موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمى يا أخا تميم (ما كان أبوك) عمران (امرأ سوء) قال ابن عباس زانيا (وما كانت أمك) هذه (بغيَّا) أى زانية فمن أين لك هذا الولد (فأشارت) مريم (اليه) أى الى عيسى عليه السلام أن كلموه، قال ابن عباس لما لم تكن لها حجة أشارت اليه ليكون كلامه حجة لها، وفى القصة لما أشارت اليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت