كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
أتسخرين بنا؟ ثم (قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) أى من هو فى المهد وهو حجرها، وقيل هو المهد بعينه وكان بمعنى هو، قال السدى فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم، وقيل لما أشارت اليه ترك الثدى واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه (قال إنى عبد الله) أقر على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها (آتانى الكتاب وجعلنى نبيا) قيل معناه سيؤتينى الكتاب ويجعلنى نبيا وقيل هذا إخبار عما كتب له فى اللوح المحفوظ كما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، وقال الأكثرون أوتى الإنجيل وهو صغير طفل وكان يعقل عقل الرجال، وعن الحسن أنه قال الهم التوراة وهو فى بطن أمه (وجعلنى مباركا أين ما كنت) أى نفَّاعا حينما توجهت، وقال عطاء ادعوا الى الله والى توحيده وعباداته وقيل مباركا على من تبعنى (وأوصانى بالصلاة والزكاة) أى أمرنى بهما، فان قيل لم يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة؟ قيل معناه أوصانى بالزكاة لو كان لى مال، وقيل اوصانى بالزكاة اى أمرنى ان أوصيكم بالزكاة وقيل الاستكثار من الخير (ما دمت حيا وبرا بوالدتى) اى جعلنى برا بوالدتى (ولم يجعلنى جبارا شقيا) اى عاصيا لربه، وقيل الشقى الذى يذنب ولا يتوب (والسلام علىّ يوم ولدت) اى السلامة عند الولادة من طعن الشيطان (ويوم أموت) أى عند الموت من الشرك (ويوم أبعث حيا) من الأهوال: فلما كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى عليه السلام فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التى يتكلم فيها الصبيان والله أعلم (باب ذكر منشئه ومرباه وما أيده الله به من المعجزات) ذكر وهب بن منبه أنه لما ولد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام خرت الأصنام يومئذ فى مشارق الأرض ومغاربها وان الشياطين حارت فى سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه فى حجر أمه والملائكة محدقة به وأنه ظهر نجم عظيم فى السماء، وان ملك الفرس أشفق من ظهوره فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا هذا لمولد عظيم فى الأرض، فبعث رسله ومعهم ذهب ومرّ ولبان هدية الى عيسى، فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم؟ فذكروا له ذلك فسأل عن ذلك الوقت، فاذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه فى المهد، فأرسلهم اليه بما معهم وأرسل معهم من يُعَرَّفه له ليتوصل الى قتله اذ انصرفوا عنه، فلما وصلوا الى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها أن رسل ملك الشام أنما جاءوا ليقتلوا ولدك فاحتملته فذهبت به الى مصر، وقال اسحاق بن بشر عن جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال وكان عيسى يرى العجائب فى صباه إلهاما من الله: ففشا ذلك فى اليهود وترعرع عيسى فهمت به بنوا اسرائيل فخافت امه عليه فأوحى الله الى أمه أن تنطلق به الى أرض مصر، قال وهب ابن منبه فأقامت معه بمصر حتى بلغ عمره اثنتى عشرة سنة وظهرت عليه كرامات ومعجزات فى حال صغره (فذكر منها) ان الدهقان الذى نزلوا عنده افتقد مالا من داره وكانت داره يأوى إليها الفقراء والمساكين والضعفاء والمحاويج فلم يدر من أخذه وعز ذلك على مريم عليها السلام وشق على الناس وعلى رب المنزل وأعياهم أمره، فلما رأى عيسى عليه السلام ذلك عمد الى رجل أعمى وآخر مقعد من جملة من هو منقطع اليه فقال للأعمى أحمل هذا المقعد وأنهض به، فقال انى لا استطيع ذلك، فقال بلى كما فعلت وهو حين أخذتما هذا المال من تلك الكوّة من الدار فلما قال ذلك صدقاه فيما قال وأتيَا بالمال فعظم عيسى فى أعين الناس وهو صغير جدا (ومن ذلك) ان ابن الدهقان عمل ضيافة للناس بسبب طهور أولاده فلما اجتمع الناس وأطعمهم أراد أن يسقيهم شرابا يعنى خمرا كما كانوا يصنعون في ذلك