كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

.
__________
الزمان لم يجد فى حراره شيئا فشق ذلك عليه، فلما رأى عيسى ذلك منه قام فجعل يمر على تلك الجرار ويمر يده على أفواهها فلا يفعل بجرة منها ذلك الا امتلأت شرابا من خيار الشراب، فتعجب الناس من ذلك جدا وعظموه وعرضوا عليه وعلى أمه مالا جزيلا فلم يقبلاه، وقال اسحاق بن بشر قال لما إدريس عن جده وهب بن منبه قال ان عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله عز وجل أن يرجع عن بلاد مصر الى بيت إيليا قال فقدم عليه يوسف بن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما الى إيلياء وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون فى بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتى من العجائب فجعلوا يعجبون منه فدعاهم الى الله ففشا فيهم أمره (باب بعثته الى بنى اسرائيل وما أيده الله به من المعجزات الباهرات) (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) روى أبو حذيفة اسحاق بن بشر بأسانيده عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن عباس وسلمان الفارسى دخل حديث بعضهم فى بعض قالوا لما بعث عيسى بن مريم وجاءهم بالبينات جعل المنافقون والكافرون من بنى اسرائيل يعجبون منه ويستهزئون به فيقولون ما أكل فلان البارحة وما أدخر فى منزله؟ فيخبرهم فيزداد المؤمنون أيمانا والكافرون والمنافقون شكا وكفرانا، وكان عيسى مع ذلك ليس له منزل يأوى أليه انما يسبح فى الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به، فكان أول ما أحيا من الموى أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهى تبكى فقال لما مالك أيتها المرأة؟ فقالت ماتت ابنة لى لم يكن لى ولد غيرهما وأنى عاهدت ربى أن لا أبرح من موضعى هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لى فأنظر اليها، فقال لها عيسى ارأيت إن نظرت اليها أراجعة أنت؟ قالت نعم، قالوا فصلى ركعتين ثم جاء فجلس عند القبر فنادى يا فلانة قومى باذن الرحمن فاخرجى، قال فتحرك القبر، ثم نادى الثانية فانصدع القبر باذن الله، ثم نادى الثالثة فخرجت وهى تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى ما أبطأ بك عنى؟ فقالت لما جاءتنى الصيحة الأولى بعث الله لى ملكا فركب خلقى، ثم جاءتنى الصيحة الثانية فرجع الى روحى، ثم جائتنى الصيحة الثالثة فجفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسى وحاجباى وأشعار عينى من مخافة القيامة، ثم أقبلت على امها فقالت يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبرى وأحتسبى فلا حاجة لى فى الدنيا، يا روح الله وكلمته سل ربى ان يردنى الى الآخرة وان يهوّن على كرب الموت، فدعا ربه فقبضها اليه واستوت عليها الأرض فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبا (قال الحافظ ابن كثير) وقد قدمنا فى عقيب قصة نوح أن بنى اسرائيل سألوه أن يحي لهم سام بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها، ثم دعا فعاد ترابا، قال (وقد روى السدى) عن أبى صالح وأبى مالك عن ابن عباس فى خبر ذكره وفيه أن ملكا من ملوك بنى اسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل، فرأى الناس أمراً هائلا ومنظرا عجيبا اه (قلت) ويؤيد ذلك قوله عز وجل فى سورة المائدة (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتى عليك) أى فى خلقى أياك من أم بلا أب وجعلى أياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتى على الأشياء (وعلى والدتك) حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون اليها من الفاحشة (اذ أيدنك بروح القدس) وهو جبريل عليه السلام وجعلتك نبيا داعيا الى الله فى صغرك فانطقتك فى المهد صغيرا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب

الصفحة 138