كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
واعترفت لي بالعبودية وأخبرت عن رسالتى أياك ودعوت الى عبادتى ولهذا قال (تكلم الناس فى المهد وكهلا) أى تدعوا الى الله الناس فى صغرك وكبرك (وإذ علمتك الكتاب والحكمة) أى الخط والفهم (والتوراة) وهى المنزلة على موسى بن عمران الكليم (والانجيل) وهو المنزل على عيسى عليه السلام (وأذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذنى) أى تصوره وتشكله على هيئة الطائر باذنى لك (فتنفخ فيها فتكون طيراً باذنى) أى فتكون طيرا ذا روح بأذن الله وخلقه، قيل هو الخفاش (وتبرئ الأكمه) قال بعض السلف وهو الذى يولد أعمى ولا سبيل لأحد من الحكماء الى مداواته (والأبرص) هو الذى لا طب فيه بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عضالا (واذ تخرج الموتى باذنى) أى تدعوهم فيقومون من قبورهم بأذن الله وقدرته (واذ كففت بنى اسرائيل عنك) أى منعت وصرفت عنك أذى اليهود حين هموا بقتلك وصلبك فنجيتك منهم ورفعتك اليّ وطهرتك من دنسهم (إذ جئتهم بالبينات) يعنى بالدلالات الواضحات والمعجزات وهى التى ذكرنا وسميت بالبينات لأنها ما يعجز عنها سائر الخلق الذين ليسوا بمرسلين (فقال الذين كفروا منهم أن هذا) ما هذا (ألا سحر مبين) يعنى ما جاءهم به من البينات (باب أسلام أهل أنطاكية جميعا بنبي الله عيسى عليه السلام) لما كذب اليهود نبى الله عيسى عليه السلام ونسبوا ما أتى به من المعجزات الى السحر ضاق بهم ذرعا وقال (من أنصارى الى الله) أى من يساعدنى فى الدعوة الى الله (قال الحواريون نحن أنصار الله) وكان ذلك فى قرية يقال لها الناصرة فسموا بذلك النصارى قال تعالى (فآمنت طائفة من بنى اسرائيل وكفرت طائفة) يعنى لما دعا عيسى بنى اسرائيل وغيرهم الى الله تعالى، منهم من آمن ومنهم من كفر، وكان من آمن أهل أنطاكية بكما لهم فيما ذكر، غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير بعث اليهم رسلا ثلاثة أحدهم شمعون الصفا فآمنوا واستجابوا، وكفر آخرون من بنى اسرائيل وهو جمهور اليهود (فأيدنا الذين آمنوا) به بما جاء به من أنه عبد الله ورسوله (على عدوهم) يعنى اليهود ومن غلابه من النصارى فجعله إلاها: فكل من كان اليه أقرب كان عاليا فمن دونه، ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الذى لا شك فيه من انه عبد الله ورسوله كانو ظاهرين كما قال تعالى (فاصبحوا ظاهرين) على النصارى الذين غلوا فيه وأطروه وأنزلوه فوق ما انزله الله به، ولما كان النصارى أقرب فى الجملة مما ذهب اليه اليهود عليهم لعائن الله كان النصارى قاهرين لليهود فى ازمان الفترة الى زمن الاسلام وأهله حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة باظهار دين محمد صلى الله عليه وسلم على دين الكفار فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر الله وهم كذلك وحق يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح والله أعلم، ويستفاد من هذا الباب أن الحواريين هم أنصار عيسى عليه السلام، وهم أول من لبى الدعوة ولذلك قال تعالى فى كتابه العزيز (واذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بى وبرسولى قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) وهذا أيضا من الامتنان على عيسى عليه السلام بأن جعل الله له أصحابا وأنصاراَ، ثم قيل المراد بهذا الوحى وحى الهام كما قال تعالى وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه، وهو وحى الهام بلا خلاف، أى الهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا (قال الحسن البصرى) ألهمهم الله عز وجل ذلك، وقال السدى قذف فى قلوبهم ذلك، ويحتمل أن يكون المراد واذ أوحيت أليهم بواسطتك تدعوهم الى الأيمان بالله وبرسوله فاستجابوا لك وانقادوا وتابعوا