كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
(باب ما جاء فى نزول المائدة من كتاب الله عز وجل) قال الله عز وجل (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) الآيات: هذه قصة المائدة وأليها تنسب السورة فيقال سورة المائدة وهى لمّا امتن الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها فأنزلها الله آية باهرة وحجة قاطعة، وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة فى الانجيل ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين فالله أعلم فقوله تعالى (إذ قال الحواريون) وهم أتباع عيسى وخواص أصحابه (يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك) هذه قراءة كثيرين وعلى هذه القراءة لم يقولوا شاكين بقدرة الله عز وجل ولكن معناه هل ينزل ربك أم لا، وقرأ آخرون (هل تستطيع ربك) بالتاء وربك بنصب الباء الموحدة أى هل تستطيع أن تسأل ربك (أن ينزل علينا مائدة من السماء) والمائدة هى الخوان عليه طعام وذكر بعضهم أنهم أنما سألوه ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة (قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين) أى فأجابهم عليه السلام قائلا لهم اتقوا الله ولا تسألوا هذا فعساه ان يكون فتنة لكم وتوكلوا على الله فى طلب الرزق أن كنتم مؤمنين (قالوا نريد أن نأكل منها) أى نحن محتاجون الى الأكل منها (وتطمئن قلوبنا) اذا شاهدنا نزولها رزقا لنا من السماء (ونعلم ان قد صدقتنا) أى ونزداد إيمانا بك وعلما برسالتك (ونكون عليها من الشاهدين أى ونشهد أنها آية من عند الله ودلالة وحجة على نبوتك (قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عبداً) أى نتخذ ذلك اليوم الذى نزلت فيه عبدا نعظمه، وقال سفيان الثورى يوما ما نصلى فيه (لأولنا) اى لأهل زماننا (وآخرنا) أى لمن يجئ بعدنا، وقيل كافة لأولنا وآخرنا (وآية منك) أى دلالة وحجة على قدرتك على الأشياء وعلى إجابتك لدعوتى فيصدقونى فيما ابلغه عنك (وأرزقنا) أى من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب (وأنت خير الرازقين قال الله) تعالى مجيبا لعيسى عليه السلام (إنى منزلهما عليكم فمن يكفر بعد منكم) أى فمن كذب بها من أمتك يا عيسى بعد نزولها (فانى أعذبه عذابا بالا أعذبه أحدا من العالمين) أى من عالمى زمانكم (قال الحافظ ابن كثير) فى تفسيره (روى ابن جرير) عن عبد الله بن عمر قال أن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة، المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون (باب ما جاء فى ذكر الآثار الواردة فى نزول المائدة) أعلم أنه وردت آثار عن أبن عباس وسلمان الفارسى وعمار بن ياسر وغيرهم من السلف ذكرها الحافظ ابن كثير فى تفسيره ثم قال فى تاريخه ومضمون ذلك أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوما فلما أتموها سألوا عيسى أنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم إذا قبل الله صيامهم وأجابهم الى طلبهم وتكون لهم عبادا يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم فوعظهم عيسى فى ذلك وخاف عليهم أن لا يقوه وابشكرها ولا يؤدوا حتى شروطها فأبوا عليه إلا ان يسال لهم ذلك من ربه عز وجل، فلما لم يقلعوا عن ذلك قام الى مصلاه ولبس مسحا من شعر وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله فى الدعاء والسؤال أن يجابوا الى ما طلبوا، فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون اليها تنحدر بين غمامتين وجعلت تدنوا قليلا قليلا وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنو حتى أستقرت بين يدى عيسى عليه السلام وهى مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول بسم الله خير الرازقين، فاذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال وخل ويقال ورمان وثمار ولها رائحة عظيمة جدا: قال الله لها كونى فكانت، ثم أمرهم بالآكل منها فقالوا الا نأكل حتى تأكل فقال أنكم الذين ابتدأتم السؤال لها فأبوا أن