كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
رجل عابد يقال له جريج فابتنى صومعة (1) وتعبد فيها قال فذكر بنو اسرائيل يوما عبادة جريج فقالت بَغِيّ (2) منهم لئن شئتم لأصِيبَنَّه، قالوا قد شئنا: قال فأتته فتعرضت له فلم يلتفت اليها فأمكنت نفسها من راع كان يَؤوِى غنمه الى أصل صومعة جريج فحملت فولدت غلاما، فقالوا ممن؟ قالت من جريج، فأتوه استنزلوه فشتموه وضربوه وهدموا صومعته؟ فقال ما شأنكم؟ قالوا أنك زنيت بهذه البِغىِّ فولدت غلاما، قال وأين هو؟ قالوا ها هو ذا؟ قال فقام فصلى ودعا ثم أنصرف الى الغلام فطعنه بإصبعه وقال بالله يا غلام من أبوك؟ (3) قال أنا أبن الراعى، فوثبوا الى جريج فجعلوا يقلبونه وقالوا نبنى صومعتك من ذهب، قال لا حاجة لى فى ذلك، أبنوها من طين كما كانت، قال وبينما امرأة فى حرجها أين ترضعه إذ مر بها راكب ذو شارة (4) فقالت اللهم أجل أبنى مثل هذا، قال فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلنى مثله، قال ثم عاد الى ثديها يمصه، قال أبو هريرة فكأنى أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى على صنيع الصبى ووضعه إصبعه فى فمه فجعل يمصها، ثم مُر بامةُ تضربُ (5) فقالت اللهم لا تجعل ابنى مثلها، قال فترك ثديها وأقبل على الأمة فقال اللهم أجعلنى مثلها (6) يا أماه قال فذلك حين تراجعا الحديث (7) فقالت خَلقَى (8) مُرَّ الراكب ذو الشارة فقلتَ اللهم أجعل مثله فقلتَ اللهم لا تجعلنى مثله ومُرِّ بهذه الأمة فَقلت اللهم لا تجعل أبنى مثلها اللهم أجعلنى مثلها، فقال يا أماه أن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وأن هذه الأمة يقولون زنت ولم تزن وسرقت ولم تسرق وهى تقول حسبى الله (وعنه من طريق ثان) (9) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة عيسى بن مريم عليه السلام وصبى كان فى زمان جريج وصى آخر (10) فذكر الحديث: قال (وأما جريج) فكان جلا عابدا فى بنى اسرائيل عابدا فى نبى اسرائيل وكانت له أم وكان يوما يصلي إذ اشتاقت إليه
__________
(1) الصومعة مكان منقطع عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهى نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول اليهم والدخول عليهم (2) البغى هى المرأة المشهورة بالزنا (3) أبا مجازا لأن الزانى لا يلحقه الولد ولعله كان فى شرعهم يلحق (4) أى ذو هيئة حسنه ولباس حسن (5) جاء عند مسلم ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبنا الله ونعم الوكيل، يعنى ولم تزن ولم تسرق كما سيأتى فى آخر هذا الحديث عند الأمام أحمد (6) أى اللهم اجعلنى سالما من المعاصى كما هى سالمة وليس المراد مثلها فى النسبة الى باطل يكون منه بريا (7) معنى تراجعها الحديث أقبلت على الرضيع تحدثه وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام فلما تكرر منه الكلام علمت أنه أهل له (8) حلقى كغضبى هى فى الأصل كلمة تقال لمن يستوجب الدعاء عليه أى أصابه وجع فى حلقه وتقال للأمر يعجب منه عقرا حلقا بالتنوين (قال فى النهاية) ومن مواضع التعجب قول أم الصبى الذى تكلم عقرى وكأنه جاء فى رواية أخرى عقرى بدل حلقى والله أعلم (9) (سنده) حدثنا حسين بن محمد ثنا جرير عن محمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (10) هو الصبى الذى قال فى الطريق الأول اللهم اجعلنى مثلها يعنى الأمة التى كانت تعذب (وقوله فذكر الحديث)