كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
يدينون العباد بغير ذام. ويملك بعدهم منا ملوك. يصير الملك فينا باقتسام
ويملك بعد قحطان نبي. تقي مخبت خير الأنام. يسمى أحمدًا ياليت أتى
أعمر بعد مبعثه بعسام. فأعضده وأحبوه بنصرى. بكل مدجج وبكل رام
متى يظهر فكونوا ناصريه. ومن يلقاه يبلغه سلامي) حكاه ابن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير: وكانت سبأ ملوك اليمن وأهلها وكانت التبايعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه السلام من جملتهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده عبادته فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ شذر مذر قال تعالى (لقد كان لسباء في مسكنهم) وفي قراءة مساكنهم وكانت مساكنهم بما رب من اليمن (آية) أي دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ثم فسر الآية فقال (جنتان) أي هي جنتان بستانان (عن يمين وشمال) أي عن يمين الوادي وشماله وقيل عن يمين من أتاهما وشماله، وكان لهم واد قد أحاطت الجنتان بذلك الوادي (كلوا من رزق ربكم) أي قيل لهم كلوا من ثمار الجنتين، قال السدى ومقاتل كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلئ مكتلها من أنواع الفواكه من غير أن تمس شيئًا بيدها لكثرته واستائه ونضجه (واشكروا له) أي على ما رزقكم من النعمة، والمعنى أعملوا بطاعته (بلدة طيبة) أي أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة، قال ابن زيد لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، وكان الرجل يمر ببلدتهم في ثيابه القبل فيموت القمل كله من طيب الهواء فذلك قوله تعالى (بلدة طيبة) أي طيبة الهواء (ورب غفور) قال مقاتل وربكم إن شكرتموه فيما رزقكم رب غفور الذنوب، قال وهب أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًا فدعوهم إلى الله وذكرهم نعمته عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله عز وجل علينا نعمة، فقولوا لربكم فليحبس هذه النعم عنا أن استطاع، فذلك قوله تعالى (فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم) بفتح العين المهملة وكسر الراء جمع عيرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت الحاجة أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر فأغرقه جنتيهم وأموالهم: قال ابن عباس ووهب وغيرهم كان ذلك المد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بواديهم فسد بالعرم فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أبوابًا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بكرة ضخمة وجعلت فيها اثنى عشر مخرجًا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا سدوها: فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه، في البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث الباب الأسفل، فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك، فبقوا على ذلك مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فثقب السد من أسفله حتى إذا ضعف ووهى وجاءت أيام السيول صدم الماء البناء فسقط فانساب الماء في أسفل الوادي وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الأشجار للثمرة الأنيقه النضرة ودفن بيوتهم الرمل فتفرقوا وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب، يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا، فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم (وبدلناهم بجنتيهم جنتين