كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
.
__________
موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورئى أهل بدر من المشركين بمرئاة بليغة قبحة الله، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعارًا ربانية وحكمًا وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام (وروى الحافظ ابن عساكر) عن الزهري إنه قال قال أمية بن أبي الصلت:
ألا رسول لنا منا يخبرنا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال ثم خرج أمية بن أبي الصلت إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أمية بالبحرين ثمان سنين ثم قدم الطائف فقال لهم ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا يزعم أنه نبي: هو الذي كنت تتمنى، قال فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه فقال يا أبن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال أقول أني رسول الله وأن لا إله إلا هو، قال أني أريد أن أكلمك فعدني غدًا، قال فموعدك غدًا، قال فتحب أن آتيك وحدي أوفى جماعة من أصحابي؟ وتأتيني وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذلك شئت، قال فأني آتيك في جماعة، قال فلما كان الغد غدا أمية في جماعة من قريش قال وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل الكعبة، قال فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا فرغ الشعر قال أجبني يا ابن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم) حتى إذا فرغ منها وثب أمية بحر رجليه قال فتبعته قريش يقولون ما نقول يا أمية؟ قال أشهد أنه على الحق، فقالوا هل تتبعه؟ قال حتى انظر في امره، قال ثم خرج أمية إلى الشام وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما قتل أهل بدر قدم أمية من الشام حتى نزل بدرًا ثم ترحل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل يا أبا الصلت ما تريد؟ قال أريد محمدًا، قال وما تصنع؟ قال أو من به وألقى إليه مقاليد هذا الأمر، قال اتدري من في القليب. قال لا، قال فيه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما أبنا خالك وأمه ربيعة بنت عبد شمس قال فجدع أذنى ناقته وقطع ذنبها ثم وقف على القليب فرثى قتلى كفار قريش ببدر بقصيدة طويلة لا حاجة لذكرها: ومن شعره في مدح أهل الكرم قوله
لا ينكثون الأرض عند سؤالهم **** كتطلب العلات بالعيدان
بل يسفرون وجوههم فترى لها **** عند السؤال كأحسن الألوان
وإذا المقل أقام وسط رحالهم **** ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم لكل ملمة **** سدوا شعاع الشمس بالفرسان
(وذكر الإمام البغوى في تفسيره) قال لها مات أمية أتت أخته فازعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وفاة أخيها، فقالت بينما هو راقد أتاه آتيان فكشفا سقف البيت فزلا فقعد احدهما عند رجليه والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه أوعى؟ قال وعى، قال أزكى؟ قال أبي، قالت فسألته عن ذلك؟ فقال خير أريد بي فضرب عني، فغشى عليه فلما أفاق قال شعراٍ.
كل عيش وإن تتطاول دهرًا **** صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي **** في تلال الجبال أرعى الوعولا
أن يوم الحساب يوم عظيم **** شاب فيه الصغير يوما ثقيلًا
ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه أنشديني من شعر أخيك، فأنشدته بعض قصائده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه وسلم أمن شعره وكفر قلبه، وفي هذا القدر كافية والله أعلم