كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

.
__________
انتفخ وجلس، ثم ذكر ابن عباس أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس وعبد مناف أبناه قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق، فسألوه عمان يكون في آخر الزمان؟ فقال خذوا مني ومن إلهام الله إياي، أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم وينشؤ من عقبكم ذو فهم يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصم ويتبعون الروم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم، ثم قال والباقي الأبد، والبالغ الأمد. ليخرجن من ذا البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرئ عن عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه الله بخير محمودًا. من الأرض مفقودًا وفي السماء مشهودًا، ثم بلى أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم بلى أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف، ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس بطوله، وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف بن ذي يزن فقال له أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع قال بل ينقطع، قال ومن يقطعه؟ قال نبي زكى، يأتيه الوحي من قبل العلى، قال وممن هذا النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملكفي قومه إلى آخر الدهر، قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى في المسيئون، قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم والشفق والغسق، والقمر إذا اتسق، أن ما أنبأتك عليه لحق: ووافقه على ذلك شق سواء بسواء بعبارة أخرى كما تقدم ومن شعر سطيح قوله.
(عليكم بتقوى الله في السر والجهر ... ولا تلبسوا صدق الأمانة بالغدر)
(وكانوا لجار الجنب حصنًا وجنة ... إذا ما عرته النائبات من الدهر)
وأورد ذلك الحافظ ابن عساكر، ثم أورد ذلك المعافي بن زكريا الجريري فقال وأخبار سطح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم، والمشهور أنه كان كاهًا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه (وروى لنا) بإسناد الله أعلم به أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سطيح فقال نبي ضيقه قومه، (قال الحافظ ابن كثير) أما هذا الحديث فلا أصل له في شيء من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا، ويروى مثله في خير خالد بن سنان العبسي ولا يصح أيضًا، وظاهر هذه العبارات تدل على علم جيد لسطيح وفيها روائح التصديق لكنه لم يدرك الإسلام كما قال الجريري، فإنه قد ذكرنا في هذا الأثر أنه قال لابن أخته يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة: وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شامًا، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه وكان ذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر أو شية (أي أقل منه) وكانت وفاته بأطراف الشام مما يلي أرض العراق فالله أعلم بأمره وما صار إليه، وذكر بن طرار الحريري أنه عاش سبعمائة سنة، وقال غيره خمسمائة سنة وقيل ثلاثمائة سنة فالله أعلم (وقد روى ابن عساكر) أن ملكًا سأل سطيحًا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على الجلية في كلام طويل فصيح مليح فقال له الملك يا سطيح ألا تخبرني عن علمك هذا؟ فقال إن علمي هذا ليس من ولا بجزم ولا بظن، ولكن

الصفحة 186