كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

عز وجل بها خيرًا منها، قال ما أبدلنى الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمنى أولاد النساء (وعنها من طريق ثان) قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خديجة فأطنب فى الثناء عليها فادركنى ما يدرك النساء من الغيرة فقلت لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قالت فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تغيرا لم أره تغير عند شئ قط إلا عند نزول الوحى وعند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب
__________
يجوز في حمراء الرفع على القطع والنصب على الصفة أو الحال (قال النووى) معناه عجوز كبيرة جدًا حتى قد سقطت أسنانها من الكب ولم يبق لشدقها بياض شئ من الأسنان، انما بقى فيها حمرة لثاتها (قال القاضى) قال المصرى وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك، ولهذا لم تزجر عائشة عنها (قال القاضى) وعندى أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها ولعلها لم تكن بلغت حينئذ (1) (سنده) حدّثنا مؤمل ابو عبد الرحمن ثنا حماد ثنا عبد الملك عن موسى بن طلحة عن عائشة قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه) (2) أى لما كان يقاسيه من شدة الوحى وتجمع الفكر والوعى، وفى هذا زجر لعائشة عن قول مثل هذا فى حق خديجة (وفى رواية) فغضب حتى قلت والذى بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا الا بخير (3) أى السحابة الخليقة بالمطر، وانما كان وجهه صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك خوفا من أن يكون رسول عذاب كما أرسل إلى قوم هود قال تعالى {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا، بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} (تخريجه) أخرج الشيخان بعضه، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد واسناده حسن، وأورد نحوه أيضا وعزاه الطبرانى ولفظه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذكر خديجة، فقلت ما أكثر ما تكثر من ذكر خديجة وقد أخلف الله تعالى لك من عجوز حمراء الشدقين وقد هلكت فى دهر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا ما رأيته غضب مثله قط وقال إن الله رزقها منى ما لم يرزق أحدا منكن، قلت يا رسول الله اعف عنى والله لا تسمعنى أذكر خديجة بعد هذا اليوم بشئ تكرهه، قال الهيثمى وسنده حسن (وفى الباب) عند مسلم عن عائشة قالت ما غرت على نساء النبى صلى الله عليه وسلم الا على خديجة وانى لم أدركها، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح الشاة فيقول ارسلوا بها الى أصدقاء خديجة، قالت فأغضبته يوما فقلت خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى قد رزقت حبها (وعند مسلم أيضا) عن عائشة قالت لم يتزوج النبى صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت (قال القرطبى) كان حبه لها لما تقدم ذكره من الأسباب وهى كثيرة كل منها كان سببا فى ايجاد المحبة ومما كافأ النبى صلى الله عليه وسلم خديجة فى الدنيا أنه لم يتزوج فى حياتها غيرها، فذكر حديث عائشة المتقدم عند مسلم قال وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها، واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عاما، انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما وهى نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن تكدر الضرائر الذى ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك

الصفحة 241