كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
ابن مائة وعشرين أى من مولده، واختلفوا فى قوله بالقدوم بتخفيف المهملة كما قال الرواى فى آخر الحديث مخففة، وهو على التخفيف اسم آلة النجار، أو المراد المكان الذى وقع فيه الختان وهو أيضا بالتخفيف والتشديد اسم قرية بالشام ولكل وجهة، وجمع بأنه اختتن بالآلة وفى الموضع ويستفاد من ذلك أن الختان حصل بعد وقوع قصته مع نمرود وهجرته الى البلاد الشامية والله أعلم (هذا) وسأذكر شيئا مما اتصل بى من الوقائع التى حصلت لأبينا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مرتبة على سنى حياته فأقول (تقدم أن ابراهيم عليه السلام ولد ببابل) بكسر الموحدة وهو اسم ناحية، منها الكوفة والحلة والمشهور بهذا الاسم المدينة الخراب بقرب الحلة والى جانبها قرية تسمى الآن ببابل عامرة كذا فى مراصد الاطلاع، وكان أهل بابل يتمتعون برغد العيش ولكنهم كانوا يتردون فى مهاوى الضلالة، فقد نحتوا الأصنام بأيديهم ثم جعلوها أربابا ونصبوا آلهة وعكفوا على عبادتهم من دون الله الذى خلقهم، وكان نمرود بن كنعان بن كوشى قابضا على زمام الملك فى بابل وحاكما بأمره مستبدا برأيه، ولما رأى القوم اطبق عليهم الجهل اقام نفسه إلهاً ودعا الناس الى عبادته، فلما أراد الله أن يبعث ابراهيم حجة على خلقه ورسولا الى عباده دعا هؤلاء القوم الى توحيد الله وعزم على تخليص قومه من وهدة الشرك وقد كان ابراهيم مؤمنا بما أوحى الله اليه من بعث الناس بعد موتهم وحسابهم فى حياة أخرى على أعمالهم ولكنه أراد أن يزداد بصيرة وإيمانا وثقة وبقينا وتطلع إلى ان يلبس الآية البينة على البعث ويرى الحجة الواضحة على النشور، فسأل ربه أن يريه كيف يحي الموتى بعد موتهم ويبعثهم بعد فناء أجسامهم فقال الله عز وجل له (أو لم تؤمن؟ قال بلى) قد أوحيت إلىّ وآمنت وصدقت (ولكن ليطمئن قلبى) ولما كان ابراهيم عليه السلام يقصد الى أن تطمئن نفسه أجب الله دعاءه وآناه سؤاله وأمره أن يأخذ أربعة من الطير ويضمها اليه، وهذا معنى قوله تعالى (فصُرْ هن أليك) ليتعرف أجزاءها ويتأمل خلقها ثم يجعلها أجزاءا ويفرقها أشلاءا ويجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن اليه فيأتينه سعيا باذن الله، فلما فعل صار كل جزء ينضم الى مثله وعادت الأشلاء كل فى مكانه، وسرعان ما سرت فيها الحياة ورجعت اليها الروح وسعت اليه بقدرة الله عز وجل، وما من أحد يرى ذلك ثم يساوره شك فى قدرة الله على بعث الموتى من مراقدهم ونشرهم من قبورهم (سبحانه اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون) حينئذ قوى إيمان ابراهيم وتوفرت عنده اقامة الحجة على قومه ودعوتهم الى التوحيد، وكان أول دعوته الى أبيه أو عمه آزار على الخلاف فى ذلك لأنه أقرب الناس وألصقهم به وأولاهم بالهداية: فمن البر به أن يهديه إلى سواء السبيل كما قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) وكان آزر يعبد الأصنام بل كان ممن ينحتها ويبيعها وكان من خبره ما قصه الله عز وجل فى كتابه (واذكر فى الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) إلى قوله (عسى ان لا أكون بدعاء ربى شقيا) فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة اليه لم يقبلها منه ولا أخذها عنه بل تهدده وتوعده بقوله (أراغب أنت عن آلهتى يا ابراهيم، لئن لم تنته لأرجعنك) قيل بالمقال وقيل بالفعال (واهجرنى مليا) أى واقطعنى وأطل هجرانى: خاب رجاء ابراهيم حين أنكر عليه أبوه دعوته، ولكن هذه الغلظة التى بدت من أبيه وذلك الجفاء لم يبعداه عن متابعة دعوته الى الحق ولم يثنياه من النكر على قومه اشراكهم بالله وعبادتهم الأصنام من دونه بل أزمع على ان يمحو هذه العقائد الفاسدة ولو ناله فى ذلك أذى كثير، قام ابراهيم عليه السلام بدعوة قومه الى الاسلام فلم يستجب له أحد