كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

__________
__________
(ثم نكسوا على رؤسهم) أى رُدّوا الى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، يّقال نكس المريض اذا رجع الى حالته الأولى، وقالوا (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم عليه السلام قال لهم (أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا) ان عبدتموه (ولا يضركم) ان تركتم عبادته (اف لكم) يعنى تَبَّا أى هلاكا لكم (ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) فلما غلبوا على أمرهم وخافوا افتضاح حالهم ولم تبق لهم حجة أو شبهة قال له نمرود أرأيت الهك الذى تعبده وتدعو الى عبادته ما هو؟ (قال ربى الذى يحيى ويميت) قال نمرود (أنا أحي وأميت) قال ابراهيم وكيف ذلك؟ قال آخذ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفوا عن الآخر فأكون قد أحييته، قال ابراهيم (فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبُهِتَ الذى كفر) يعنى نمرود ولم يرجع اليه شيئا ولزمته الحجة، ثم انه وأصحابه أجمعوا على قتل ابراهيم فقالوا (حَرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين) يعنى ان كنتم ناصرين لها (قال الامام البغوى) فى تفسيره قال أبن عمر رضى الله عنهما إن الذى قال هذا رجل من الأكراد وقيل إن اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة، وقيل قاله نمرود، فلما اجتمع نمرود وقومه على احراق ابراهيم عليه السلام حبسوه فى بيت بنوا له بنيانا كالحظيرة، وقيل بنوا أتونا بقربه يقال له كوثى ثم جمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافانى الله لاجمعن حطبا لابراهيم، وكانت المرأة تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب بغزلها فتلقيه فيه احتسابا، قال ابن اسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فى كل ناحية من الحطب النار فاشتعلت النار واشتدت حتى ان كان الطير يمر بها فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، روى أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء أبليس فعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه فى المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة أى ربنا ابراهيم خليلك يلقى فى النار وليس فى أرضك أحد يعبدك غيره، فأذن لنا فى نصرته، فقال الله عز وجل إنه خليلى ليس لى غيره خليل، وأنا الهه وليس له اله غيرى، فان استغاث بشئ منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له فى ذلك، وان لم يدع غيرى فانا أعلم به وأنا وليه فخلوا بينى وبينه، فلما أرادوا القاءه فى النار أتاه خازن المياه فقال ان أردت اخمدت النار، وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء، فقال ابراهيم لا حاجة لى اليكم، حسبى الله ونعم الوكيل، وروى عن أبى بن كعب ان ابراهيم حين أوثقوه ليلقوه فى النار قال لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به فى المنجنيق الى النار فاستقبله جبريل فقال يا ابراهيم ألك حاجة؟ فقال أما أليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك، فقال ابراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى (قال كعب الأحبار) جعل كلَ شئ يطفئ عنه النار الا الوزغ فأنه كان ينفخ فى النار (قلت) روى الامام احمد عن سانية مولاة المفاكه بن المغيرة قالت دخلت على عائشة رضى الله عنها فرأبت فى بيتها رمحا موضوعا، قلت يا أم المؤمنين ماذا تصنعون بهذا الرمح؟ قالت هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام حين القى فى النار لم تكن فى الأرض دابة إلا تطفئ النار عنه غير الوزغ كان ينفخ عليه فامرنا رسول الله

الصفحة 51