كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادى وما فيه ماء، فارسلوا جربا (بفتح الجيم وكسر الراء ثم ياه تحتية مشددة أى رسولا لينظر هل هناك ماء أم لا) أو جريين (رسولين ثنين وأو للشك من الراوى وسمى الرسول جريا لكونه يجرى مسرعا فى حاجته) فاذاهم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسماعيل عند الماء فقالوا أتأذين لنا ان ننزل عندك؟ فقالت نعم ولكن لاحق لكم فى الماء، قالوا نعم، قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فألفى (بهمزة مفتوحة وسكون اللام وفتح الفاء أى وجد) ذلك أم اسماعيل (معناه فالفى استئذان جرهم بالنزول رغبة أم اسماعيل) وهى تحب الانس (بضم الهمزة ضد الوحشة) فنزلوا وارسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم (هذه الجملة من قوله قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فالفى ذلك أم اسماعيل الى قوله فنزلوا معهم جاءت عند الامام احمد فى حديث الباب كما ترى ونرجع الى حديث البخارى قال) حتى اذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفَسَهم (لفتح الفاء والسين عطف على تعلم أى رغبهم فيه وفى مصاهرته يقال أنفسنى فلان فى كذا أى رغبنى فيه وقال فى المصابيح أى صار نفيسا فيهم رفيعا يتنافس فى الوصول اليه) واعجبهم حين شب فلما ادرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسماعيل (قيل ولها من العمر تسعون سنة ودفنها بالحجر) فجاء ابراهيم بعد ما تزوج اسماعيل ليطالع تركته (بكسر الراء أى يتفقد حال ما تركه يعنى هاجر واسماعيل، وفى حديث ابى جهم ان ابراهيم كان يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فياتى مكة ثم يرجع فيقيل فى منزله بالشام) فلم يجد اسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغى لنا، ثم سألها عن عيشتهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن فى ضيق وشدة فنسكت اليه، قال فاذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام وقولى له بغير عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل كأنه أنس عيئا فقال هل جاءكم من أحد؟ قالت نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك وسألنى كيف عيشنا فاخبرته انا فى جهد وشدة، قال فهل أوصاك بشئ؟ قالت نعم امرنى ان اقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك، قال ذاك أبى وقد أمرنى ان أفارقك الحقى باهلك، فطلقها وتزوج منهم. أخرى، فلبث عنهم ابراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغى لنا، قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله: فقال ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال فما شرا بكم؟ قالت الماء، قال اللهم بارك لهم فى اللحم والماء: قال النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حَب ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال فهما لا يخلو عليهما احد بغير مكة إلا لم يوافقاه (جاء فى حديث أبى جهم ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه: ومعناه لا يقتصر عليهما أحد فى غير مكة بدون خلط طعام آخر الا اشتكى ببطنه لما ينشأ عنهما من انحراف المزاج إلا فى مكة فانهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء الخليل عليه السلام) قال فاذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة واثنت عليه فسألنى عنك فأخبرته أنا بخير، قال فأوصاك بشئ؟ قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك ان تثبت عتبة بابك، قال ذاك أبى وانت العتبة امرنى ان امسكك (زاد أبو جهم ولقد كنتِ علىّ كريمة، ولقد ازددت على كرامة: فولدت لاسماعيل عشرة ذكور) ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبرى نبلاله تحت دوحة (أى شجرة وهى التى نزل اسماعيل وأمه تختها اول ما قدما مكة كما مر) قريبا من زمزم، فلما رآه قام اليه فصنعا كما يصنع الوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني