كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
فقال تعالى في سورة العنكبوت (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر) يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام انه أنكر على قومه سوء صنيعهم وما كانوا يفعلون من قبائح الأعمال فى اتيانهم الذكران من العالمين ولم يسبقهم الى هذه الفعلة أحد من بنى آدم قبلهم، وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسوله ويخالفون ويقطعون السبيل أى يقفون فى طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم (وتأتون فى ناديكم المنكر) أى يفعلون ما لا يليق من الأفعال والأقوال فى مجالسهم التى يجتمعون فيها لا ينكر بعضهم على بعض شيئا من ذلك، فمن قائل كان يأتى بعضهم بعضا فى الملأ قاله مجاهد، ومن قائل كانوا يتضارطون ويتضاحكون قالته عائشة رضى الله عنها والقاسم وقيل غير ذلك، روى الامام احمد والترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم من حديث أم هانئ بنت أبى طالب رضى الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (وتأتون فى ناديكم المنكر) قال كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فذاك المنكر الذى كانوا يأتون، قال روح فذلك قوله تعالى (وتأتون فى ناديكم المنكر) وهذا الحديث تقدم فى الجزء الثامن عشر صحيفة 227 رقم 371، (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين، قال رب أنصرنى على القوم المفسدين) طلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم فعند ذلك دعا عليهم وسأل رب العالمين أن ينصره على القوم المفسدين، فاستجاب الله لدعوته وأجابه الى طلبته وبعث رسله الكرام وملائكته العظام فمروا على الخليل ابراهيم وبشروه بالغلام العليم وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم وهو اهلاك قوم لوط، قال السدى خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قوم لوط فأتوها نصف النهار فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقى من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى ريثا والصغرى ذعرتا، فقالوا لها يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرَفت عليهم من قومها فأتت اباها فقالت يا ابتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم قط هى أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فقالت ان فى بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجأءه قومه يهرعون اليه (قال تعالى ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم حصيب: وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) أى هذا ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكثيرة (قال يا قوم هؤلاء بناتى هن أطهر لكم) يرشدهم الى غشيان نسائهم وهن بناته شرعا: لأن النبى للامة بمنزلة الوالد كما ورد فى الحديث وكما قال تعالى (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وفى قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم (فاتقوا الله ولا تخزون فى ضيفى اليس منكم رجل رشيد) نهى لهم عن تعاطى ما لا يليق من الفاحشة وشهادة عليهم بانه ليس فيهم رجل له مسكة من عقل ولا فيه خير بل الجميع سفهاء فجرة كفرة أغبياء وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوا منه من قبل أن يسألوه عنه، فقال قومه أخزاهم الله ولعنهم (لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) يقولون لقد علمت يا لوط انه لا ارب لنا فى نسائنا وانك تعلم مرادنا وغرضنا واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ولم يخافوا العذاب الأليم ولهذا قال عليه السلام (لو ان لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد) وَدً أن لو كان له بهم قوة أوله منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ولكن الله عز وجل أشد قوة واكثر منعا من الاهل والعشيرة، فانا اركن اليه ليحل بهم ما يستحقونه من