كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

__________
__________
أخرى فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان ان يسرحه ليمر إلى أهله فقال له خاله إنى قد بروك لى بسببك فسلنى من مالى ما شئت، فقال تعطيني من كل حمل يولد من غنمك هذه السنة ابقع. وكل حمل ملع أبيض بسواد. وكل املح ببياض. وكل أجلح أبيض من المعز. فقال نعم، فجاء كل ما ولدته الغنم فى تلك السنة على هذه الصفة، وهذا يكون من باب خوارق العادات وينتظم فى سلك المعجزات، فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة ودواب وتغير له وجه خاله وبنيه وكأنهم انحصروا منه، وأوحى الله تعالى الى يعقوب، ان يرجع الى بلاد أبيه وقومه ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله فاجابوه مبادرين الى طاعته، فتحمل بأهله وماله وسرقت راحيل أصنام أبيها، فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم لحقهم لابان وقومه، فلما اجتمع لابان بيعقوب عاتبه فى خروجه بغير علمه وهلا أعلمه فيخرجهم فى فرح ومزاهر وطبول وحتى يودع بناته وأولادهن، ولم أخذوا أصنامه معهم؟ ولم يكن عند يعقوب علم عن أصنامه فأنكر ان يكونوا أخذوا له أصناما فدخل بيوت بناته وإمائهن يفتش فلم يجد شيئا، وكانت راحيل قد جعلتهن فى بردعة الحمل وهى تحتها فلم تقم واعتذرت بأنها طاعت فلم يقدر عليهن، فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها جلعاد على انه لا يهين بناته ولا يتزوج عليهن ولا يجاوز هذه الرابية الى بلاد الآخر لا لابان ولا يعقوب، وعملا طعاما وأكل القوم معهم وتودع كل منهما من الآخر وتفارقوا راجعين الى بلادهم، فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم، وبعث يعقوب البرد الى أخيه العيصر يترفق له ويتواضع له، فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب اليك فى أربعمائة رجل فخشى يعقوب من ذلك ودعا الله عز وجل وصلى له وتضرع اليه وتمسكن لديه وناشده عهده ووعده الذى وعده به وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص، وأعد لأخيه هدية عظيمة وهى مئتا شاة وعشرون تيسا ومئتا نعجة وعشرون كبشا وثلاثون لِقحة وأربعون بقرة وعشرة من الثيران وعشرون أتانا وعشرة من الحمر، وأمر عبيده ان يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة، فاذا لقيهم العيص فقال للأول لمن أنت ولمن هذه معك فليقل لعبدك يعقوب أهداها لسيدى العيص، وليقل الذى بعده كذلك وكذا الذى بعده، ويقول كل منهم وهو جاء بعدنا، وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر بعد الكل بليلتين وجعل يسير فيها ليلا ويكمن نهارا، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية تبدا له ملك من الملائكة فى صورة رجل فظنه يعقوب رجلا من الناس، فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه فظهر عليه يعقوب فيما يرى الا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب، فلما أضاء الفجر قال له الملك ما اسمك؟ قال يعقوب قال لا ينبغى أن تدعى بعد اليوم الا اسرائيل، فقال له يعقوب ومن أنت وما اسمك؟ فذهب عنه فعلم أنه ملك من الملائكة، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله فلذلك لا يأكل بنو اسرائيل عرق النساء، ورفع يعقوب عينيه فاذا أخوه عيصو قد أقبل فى أربعمائة راجل فتقدم أمام أهله، فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات وكانت هذه تحيتهم فى ذلك الزمان، وكان مشروعا لهم كما سجدت الملائكة لآدم تحية له وكما سجد إخوة يوسف وأبواه له كما سيأتى، فلما رآه العيص تقدم اليه واحتضنه وقبله وبكى ورفع العيص عينيه ونظر الى النساء والصبيان فقال من أين لك هؤلاءِ؟ فقال هؤلاء الذين وهب الله لعبدك، فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له، ودنت ليا وبنوها فسجدوا له، ودنت راحيل وابنها يوسف فخرا سجدا له، وعرض عليه أن يقبل هديته والح عليه فقبلها ورجع العيص فتقدم أمامه ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأنعام والمواشي

الصفحة 67