كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
يوسف رأى فى منامه كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر تسجد له فقصها على أبيه وكان عمره حينئذ اثنتى عشرة سنة فقال له أبوه (يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكبدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) ثم عبر له رؤياه فقال (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) وسمعت امرأة يعقوب ما قال يوسف لابيه فقال لها يعقوب اكتمى ما قال يوسف ولا تخبرى أولادك قالت نعم، فلما أقبل أولاد يعقوب من الرعى أخبرتهم بالرؤيا فازدادوا حسدا وكراهة له، وقالو ما عنى بالشمس غير أبينا ولا بالقمر غيرك ولا بالكواكب غيرنا، ن ابن راحيل يريد ان يتملك علينا ويقول أنا سيدكم، وتآمرو بينهم أن يفرقوا بينه وبين أبيه قالوا (ليوسف أحب الى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين) فى خطأ بين فى إيثاره علينا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) أى تائبين (قال قائل منهم) وهو يهوذا وكان أفضلهم واعقلهم (لا تقتلوا يوسف) فان القتل عظيم (وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة) وأخذ عليهم العهود انهم لا يقتلونه، فأجمعوا عند ذلك ان يدخلوا على يعقوب ويكلموه فى ارسال يوسف معهم الى البرية، وأقبلوا اليه ووقفوا بين يديه وكذلك كانوا يفعلون اذا أرادوا منه حاجة، فلما رآهم قال ما حاجتكم (قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) تحفظه حتى نرده (ارسله معنا) الى الصحراء (غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) فقال لهم يعقوب (إنى ليحزننى ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون) لا تشعرون، وانما قال لهم ذلك لأنه كان رأى فى منامه كأن يوسف على رأس جبل وكأن عشرة من الذئاب قد شدوا عليه ليقتلوه واذا ذئب منها يحمى عنه وكأن الأرض انشقت فذهب فيها فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام فلذلك خاف عليه الذئب فقال له بنوه (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا اذا لخاسرون) فلما سمع يعقوب ذلك اطمأن اليهم، فقال يوسف يا أبت أرسلنى معهم، قال وتحب ذلك؟ قال نعم، فاذن له فلبس ثيابه وخرج معهم وهم يكرمونه فلما برزوا الى البرية اظهروا له العداوة وجعل بعض اخوته يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وجعل يصيح يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء فلما كادوا يقتلونه قال لهم يهوذا اليس قد أعطيتمونى موثقا ان لا تقتلوه؟ فانطلقوا به الى الجب فأوثقوه كتافا ونزعوا قميصه وألقوه فيه، فقال يا أخوتاه ردوا على قميصى أتوارى به فى الجب، فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا يؤانسونك، قال انى لم أر شيئا، فدلوه فى الجب فلما بلغ نصفه القوه وأرادوا أن يموت وكان فى البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة فأقام عليها ثم نادوه فظن انهم رحموه فاجابهم فارادوا ان يرضخوه بالحجارة فمنعهم يهوذا ثم أوحى الله اليه (لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) بالوحى، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال وهم لا يشعرون أى لتخبرنهم بأمرهم هذا فى حال لا يعرفونك بها أى لا يشعرون انه يوسف: والجب بأرض بيت المقدس معروف، ثم عادوا الى أبيهم عشاء يبكون فقالوا (يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب) فقال لهم أبوهم (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ثم قال لهم أرونى قميصه فأروه، فقال تالله ما رأيت ذئبا أحلم من هذا، أكل أبنى ولم يشق قميصه ثم صاح وخر مغشيا عليه ساعة فلما أفاق بكى بكاءا طويلا فأخذ القميص بقبله ويشمه وأقام