كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
يوسف في الجب ثلاثة أيام وأرسل الله ملكا فحل كتافه ثم جاءت سيارة (فارسلوا واردهم) وهو الذى يتقدم الى الماء فادلى دلوه الى البئر فتعلق به يوسف فأخرجه من الجب وقال (يابشرى هذا غلام) أى تباشروا، وقيل بشرى اسم غلام (وأمرِّوه بضاعة) يعنى الوارد وأصحابه خافوا ان يقولوا اشتريناه فيقول الرفقة أشركونا فيه فقال إن أهل الماء استبضعونا هذا الغلام، وجاء يهوذا بطعام ليوسف فلم يره فى الجب فنظر فرآه عند مالك (يعنى ابن ذعر بن نويب بن عنقا بن مديان بن ابراهيم كذا لابن كثير فى تاريخه) فى المنزل فأخبر اخوته بذلك فأتو مالكا وقالوا هذا عبد أبق منا وخافهم يوسف فلم يذكر حاله واشتروه من اخوته بثمن بخس قيل عشرون درهما، وقيل أربعون درهما، وذهبوا به الى مصر فكساه مالك وعرضه للبيع فاشتراه قطفير وقيل أطفير وهو العزيز وكان على خزائن مصر، والملك يومئذ الريان ابن الوليد رجل من العمالفة، قيل ان هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف ومات ويوسف حى، وملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف فلم يؤمن فلما اشترى يوسف وأتى به منزله قال لامرأته واسمها راحيل وقيل زليخا (أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا) إذا فهم الأمور (أو نتخذه ولدا) وكان لا يأتى النساء وكانت امرأته حسناء ناعمة فى ملك ودنيا، فلما خلا من عمر يوسف ثلاث وثلاثون سنة آتاه الله العلم والحكمة قبل النبوة وراودته راحيل عن نفسه واغلقت الأبواب عليه وعليها ودعته الى نفسها (فقال معاذ الله انه ربى) يعنى ان زوجك سيدى (أحسن مثواى انه لا يفلح الظالمون) يعنى ان خيانته ظلم وجعلت تذكر محاسنه وتشوقه الى نفسها فقالت له يا يوسف ما أحسن شعرك، قال هو أول ما ينثر من جسدى، قالت يا يوسف ما أحسن عينيك، قال هى أول ما يسيل من جسدى، قالت ما أحسن وجهك، قال هو للتراب فلم تزل به حتى همت به وهم بها: وهنا نقل الحافظ ابن الأثير بعض أقوال من تقدمه من المفسرين لقوله تعالى (ولقد همّت به وهّم بها لولا أن رأى برهان ربه) وفيها شئ لا يليق بكرامة الأنبياء والذى أختاره أنا من أقول المحققين ان الهم همان، همّ ثابت وهو اذا كان معه عزم وعقد ورضىّ مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به، وهمُّ عارض وهو الخاطر وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام، والعبد غير ماخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل، ويؤيد ذلك ما رواه ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل قال (ان الله كتب الحسنات والسيئات فم هم بحسنة فلم يعلمها كتب الله له عنده حسنة كاملة، وان عملها كتبها الله عشرا إلى سبعمائة الى أضعاف كثيرة أو الى ما شاء الله ان يضاعف، ومن هم بسيئة فلم يعلمها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فان عملها كتبها الله سيئة واحدة، وهذا الحديث رواه الشيخان والامام احمد وتقدم فى باب إحسان النية على الخير الخ من كتاب النية والاخلاص فى العمل فى الجزء التاسع عشر صحيفة 7 رقم 15 فارجع اليه واقرأ الباب كله تجد ما يسرك، أما البرهان الذى رآه يوسف عليه السلام فللعلماء فيه أقوال كثيرة اختار منها ما قاله ابن جرير (قال رحمه الله) والصواب أن يقال إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به، وجائز أن يكون صورة يعقوب، وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا فى الزجر عن ذلك ولا حجة قاطعة على تعيين شئ من ذلك فالصواب أن يطلق كما قال تعالى والله أعلم أه (قال الحافظ ابن الاثير) فقام حين رأى برهان ربه هاربا يريد الباب، فأدركته قبل خروجه من الباب فجذبت قميصه من قِبَل ظهره فقدّته (وألفيا سيدها لدى الباب) أى وجدا سيدها وابن عمها معه فقالت له (ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن)