كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

__________
__________
على يوسف (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) مملوء من الحزن والغيظ فقال له بنوه (لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضا) اى مشرفا على الهلاك (او تكون من الهالكين) فاجابهم يعقوب فقال (انما اشكو بثى وحزنى الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) من صدق رؤيا يوسف قبل بلغ من وجد يعقوب وجد ئكلى، واعطى على ذلك اجر مائة شهيد، ثم إن يعقوب أمر بنيه الذين قدموا عليه من مصر بالرجوع اليها وتحسس الاخبار عن يوسف واخيه فرجعوا الى مصر فدخلوا على يوسف وقالوا (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة) يعنى قليلة (فأوف لنا الكيل) قيل كانت بضاعتهم دراهم زيوفا وقيل كانت سمنا وصوفا وقيل غير ذلك (وتصدق علينا) بفضل مابين الجيّد والرديئ، وقيل بزد أخينا علينا، فلما سمع كلامهم غلبَته نفسه فارفض دمعه باكيا ثم باح لهم بالذى كان يكتم فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ انتم جاهلون، قالوا ائتك لأنت يوسف؟ قال انا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا) بان جمع بيننا فاعتذروا وقالوا (تاالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) أى لا أذكر لكم ذنبكم (يغفر الله لكم) ثم سألهم عن أبيه فقالوا لما فاته بنيامين عمى من الحزن فقال (اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وائتونى باهلكم أجمعين) فقال يهوذا انا أذهب به لأنى ذهبت اليه بالقميص ملطخا بالدم وأخبرته ان يوسف أكله الذئب، فأنا أخبره انه حى فافرحه كما أحزنته وكان هو البشير (ولما فصلت العير) عن مصر حملت الريح الى يعقوب بريح يوسف وبينهما ثمانون فرسخا يوسف بمصر ويعقوب بأرض كنعان فقال يعقوب (انى لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون) فقال له من حضره من أولاده (تا لله انك) من ذكر يوسف (لفى ضلالك القديم: فلما أن جاء البشير) بقميص يوسف (القاه على وجهه) أى على وجه يعقوب (فارتد بصيرا) أى عاد بصيرا كما كان أوٌلا (قال لم أقل لكم انى أعلم من الله ما لا تعلمون) يعنى تصديق الله تأويل رؤيا يوسف، ولما ان جاء البشير قال له يعقوب كيف تركت يوسف؟ قال تركته ملك مصر قال ما اصنع بالملك على أى دين تركته؟ قال تركته على الاسلام، قال الآن تمت النعمة، فلما رأى مَن عنده مَن عنده من أولاده قميص يوسف وخبروه قالوا له (يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا) قال سوف أستغفر لكم، أخّر الدعاء الى السحر من ليلة الجمعة، ثم ارتحل يعقوب وولده فلما دنا من مصر خرج يوسف يتلقاه ومعه أهل مصر وكانوا يعظمونه، فلما دنا أحدهما من صاحبه نظر يعقوب الى الناس والخيل وكان يعقوب يمشى ويتوكأ على ابنه يهوذا فقال له يا بنى هذا فرعون مصر؟ قال لا هذا ابنك يوسف، فلما قرب منه أراد يوسف ان يبدأه بالسلام فمنع من ذلك، فقال يعقوب السلام عليك يا مذهب الأحزان، لأنه لم يفارقه الحزن والبكاء مدة غيبة يوسف عنه، قال فلما دخلوا مصر رفع أبويه على العرش بعنى أمه وأباه وقيل كانت خالته وكانت أمه قد ماتت، وخر له يعقوب وامه واخوته سجدا، وكان السجود تحية الناس للملوك، ولم يرد بالسجود وضع الجبهة على الأرض فان ذلك لا يجوز إلا لله تعالى وانما أراد الخضوع والتواضع والانحناء على السلام كما يفعل الآن بالملوك، والعرش السرير (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا) وكان بين رؤيا يوسف ومجيء يعقوب أربعون سنة وقيل ثمانون سنة فانه القى فى الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، ولقيه وهو ابن سبع وتسعين سنة وعاش بعد جمع شمله ثلاثا وعشرين سنة وتوفى وله مائة وعشرون سنة، وأوصى الى اخيه يهوذا، وقيل كانت غيبة يوسف عن يعقوب ثمانى عشرة سنة، وقيل ان يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة واستوزره فرعون بعد ثلاث عشرة

الصفحة 74