كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)
__________
__________
عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطى هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم وإخافتهم لهم فى سبلهم وطرقاتهم، فآمن به بعضهم وكفر اكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا) طلبوا بزعمهم إن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب شعيب للمحاجة عن قومه فقال (اولو كنا كارهين) أى هؤلاء لا يعودون اليكم اختباراً وانما يعودون اليه ان عادوا اضطرار ولهذا قال (قد افترينا على الله كذبا ان عدنا فى ملتكم بعد اذ نجانا الله منهم وما يكون لنا ان نعود فيها إلا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا) اى فهو كافينا وهو العاصم لنا واليه ملجؤنا فى جميع امرنا، ثم أستفتح على قومه واستنصر ربه عليهم فى تعجيل ما يستحقونه اليهم فقال (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين) اى الحاكمين فدعا عليهم، والله لا يرد دعاء رسله أذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروا به وخالفوا رسله، ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون وبه متلبسون (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون) قال الله تعالى (فاخذتهم الرجفة فاصبحوا فى دارهم جائمين) ذكر فى سورة الأعراف أنهم اخذتهم رجفة أى رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالا شديدا ازهقت ارواحهم من أجسادها وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها وأصبحت جثتهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها، وقد جمع الله عليهم انواعا من العقوبات وصنوفا من المئلات وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات، وقد اخبر الله عنهم فى كل سورة بما يناسب سياقها، ففى سورة الأعراف ارجفوا نبى الله وأصحابه وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودن فى ملتهم راجعين فقال تعالى (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جائمين) فقابل الأرجاف بالرجفة والإخافة بالخيفة وهذا مناسب لهذا السياق (وأما فى سورة هود) فذكر أنهم (أخذتهم الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين) وذلك لأنهم قالوا لنبى الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص (اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء أنك لأنت الحليم الرشيد) فناسب ان يذكر الصيحة التي هى كالزجر عن تعاطى هذا الكلام القبيح الذى واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح فجامتهم صيحة اسكتتهم مع رجفة أسكنتهم (وأما فى سورة الشعراء) فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة وكان ذلك أجابة لما طلبوا فانهم قالوا (انما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وان نظنك لمن الكاذبين، فأسقط علينا كسفاً من السماء ان كنت من الصادقين قال ربى أعلم بما تعملون) قال الله سبحانه وتعالى (فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم) ذكروا انهم اصابهم حر شديد وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم فى الأسراب فهربوا من محلتهم الى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ورجفت بهم الأرض وجامتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح (فاصبحوا فى دارهم جائمين الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها الذين كذبول شعيبا كانوا هم الخاسرين) ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين قال تعالى (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا) ثم ذكر تعالى عن نبيهم انه نعاهم الى أنفسهم موبخا ومؤنبا ومقرعا فقال (يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسىِ على قوم كافرين) اى اعرض عنهم موليا عن محلتهم بعد هلاكهم