كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 20)

.
__________
فساروا حتى كانوا قريبا منهم فبعث موسى اثنى عشر نقيبا من سائر أسباط بنى اسرائيل فساروا ليأتوا بخير الجبارين فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنان (¬1) فاخذ الاثنى عشر فحملهم وأنطلق بهم الى امرأته فقال انظرى إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا، وأراد أن يطأهم برجله فمنعته امرأته وقالت أطلقهم ليرجعوا ويخبروا اقومهم بما رأوا، ففعل ذلك، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض انكم ان أخبرتم بنى اسرائيل بخبر هؤلاء لا يقدموا عليهم فاكتموا الأمر عنهم وتعاهدوا على ذلك ورجعوا، فنكث عشرة منهم العهد واخبروا بما رأوا، وكتم رجلان منهم وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ختن موسى ولم يخبروا الا موسى وهارون. فلما سمع بنو اسرائيل الخبر عن الجبارين امتنعوا عن السير اليهم، فقال لهم موسى (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون، قال رجلان) وهما يوشع بن نون وكالب (من الذين يخافون أنعم الله عليهماٌ ادخلوا عليهم الباب، فاذا دخلتموه فانكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين: قالوا يا موسى إنا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) فدعا عليهم موسى فقال (ربى إنى لا املك الا نفسى واخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال ابن عباس اقض بينى وبينهم (قال فانها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون فى الارض فلا تأس على القوم الفاسقين) عوقبوا على نكولهم بالتيهان فى الأرض يسيرون على غير مقصد ليلا ونهاراً وصباحاً ومساءاً (يقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم فى مدة أربعين سنة حتى هارون وموسى عليهما السلام، ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب) فتقدوا الى موسى حينئذ فقالوا له كيف لنا بالطعام؟ فأنزل الله المن والسلوى، فاما المن فقيل هو كالصمغ وطعمه كالشهد يقع على الأشجار، وقيل النرجين وقيل هو الخبز الموفق، وقيل هو عسل كان ينزل لكل انسان صاع (وأما السلوى) فهو طائر يشبه السمانى، فقالوا أين الشراب؟ فامر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) أى لكل سبط عين، فقالوا أين الظل؟ فظلل عليهم الغمام فقالوا أين اللباس؟
__________
(1) ويقال فيه أيضا ابن عنق (قال الحافظ ابن كثير) فى تفسيره وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا أخبارا من وضع بنى اسرائيل فى عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع تحرير الحساب، وهذا شئ يستحى من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت فى الصحيحين (قلت وللامام احمد أيضا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل ينقص حتى الآن. ثم ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا وأنه كان ولد زنية وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح وأن الطوفان لم يصل الى ركبته وهذا كذب وافتراء، فان الله تعالى ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال (رب لا تنذر على الأرض من الكافرين ديارا) وقال تعالى (فأنجيناه ومن معه فى الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين) وقال تعالى (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) واذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟ هذا لا يسوغ فى عقل ولا شرع ثم فى وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر والله أعلم.

الصفحة 98