كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 21)
-[بعث معاذ بن جبل إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا]-
(باب ما جاء في بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن)
462 (عن عاصم بن حميد) (1) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته (2) فلما فرغ قال يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري (3) فبكى معاذ جشعًا (4) لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي لفظ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تبك يا معاذ، للبكاء أوان، إن البكاء من الشيطان (5) ثم التفت فأقبل فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال إن أولى الناس بي (6) المتقون من كانوا وحيث كانوا
463 (عن ابن عباس) (7) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال إنك
__________
للبزار فقط، لإن الهيثمي رحمه الله ذكر الحديث تامًّا بلفظ الإمام أحمد حرفًا بحرف (باب) (1) (سنده) حدّثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثني راشد بن سعد عن عاصم بن حميد إلخ (غريبه) (2) فيه ما يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وكرم أخلاقه، وفيه أيضًا احترام الأمراء فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميرًا على اليمن (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) بعد إيراد أحاديث تختص ببعث معاذ إلى اليمن قال والمقصود أن معاذًا رضي الله عنه كان قاضيًا للنبي صلى الله عليه وسلم باليمن وحاكما في الحروب ومصدقًا، إليه تدفع الصدقات كما دل عليه حديث ابن عباس (قلت) سيأتي حديث ابن عباس بعد هذا، ومعظم الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن كثير ستأتي في مناقب معاذ من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى، وقد فعل ذلك أبو بكر رضي الله عنه بأسامة بن زيد مع صغر سنه، فقد عقد له النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته لواءً على جيش ولم يسافر إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فشيّعه أبو بكر رضي الله عنه ماشيًا وأسامة راكبًا اقتداءً بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بمعاذ (3) فيه إشارة وظهور وإيماء إلى أن معاذًا رضي الله لا يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وكذلك وقع، فإنه أقام باليمن حتى كانت حجة الوداع ثم كانت وفاته عليه الصلاة والسلام بعد أحَدَ وثمانين يومًا من يوم الحج الأكبر قاله الحافظ ابن كثير (4) قال في النهاية والجشع الجزع لفراق الإلف، قال ومنه الحديث فبكى معاذ جشعًا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) لعله بكى بصراخ وصوت فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أما البكاء من غير صراخ وصوت فمن الرحمة وهو جائز ولهذا بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم بغير صوت وقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضا، وقد جاء عند ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج مرسلاً بسند صحيح البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان (6) أي أقربهم إليّ منزلة (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تاريخه وعزاه للإمام أحمد فقط (قلت) وسنده جيد ورجاله ثقات، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد بإسنادين وقال في أحدهما عن عاصم بن حميد أن معاذًا قال وفيها قال (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) لا تبك يا معاذ البكاء أو إن البكاء من الشيطان ورجال الإسنادين رجال الصحيح غير راشد بن سعد وعاصم بن حميد وهما ثقتان (7) (عن ابن عباس إلخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب أركان الإسلام ودعائمه العظام من كتاب الإيمان في الجزء الأول من صفحة 81 رقم 25 وهو حديث جامع لأهم شرائع الدين رواه الشيخان والأربعة