كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 21)
-[آخر خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في الناس وفيها إطراء لأبي بكر وتلميح بخلافته]-
إن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة (1) فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر (2) فقال بأبي أنت وأمي بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فما رؤي عليه حتى الساعة (3) (زاد في رواية) إن أمنّ (4) الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا من الناس خليلاً (5) غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام (6) أو مودته، لا يبقى باب في المسجد (7) إلا سُدّ إلا باب أبي بكر
(8)
487 (عن ابن أبي المعلى عن أبيه) (9) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فقال إن رجلاً خيره ربه عز وجل بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها، يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه
__________
ومالك والإمام أحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) (1) معناه كما في الحديث التالي أن الله عز وجل خيره بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه عز وجل فاختار لقاء ربه (2) معناه أن أبا بكر رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أنه ميت في مرضه هذا، ولذلك قال أبو بكر بل نفديك إلخ وبكى كما سيأتي في الحديث التالي، ولم يفهم من الصحابة الحاضرين ما فهمه أبو بكر رضي الله عنه (3) جاء عن مسلم من حديث جندب أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بخمس ليال (4) أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل (قال النووي) قال العلماء معناه أكثرهم جودًا وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداء بالصنيعة لأنه أذًى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك (5) من الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة التي تخللت في قلب المحب فصارت خلاله أي في باطنه الداعية إلى اطلاع المحبوب على سره، والمعنى لو جاز لي أن أتخذ صديقًا من الخلق يقف على سري لاتخذت أبا بكر خليلاً (وقيل من الخلة بالفتح) وهي الحاجة (قال القاضي عياض) الخليل الصاحب الذي يفتقر إليه ويعتمد في الأمور عليه فإن أصل التركيب من الخلة بالفتح وهي الحاجة، والمعنى لو كنت متخذًا من الخلق خليلاً أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور هو الله عز وجل (6) استدراك من مضمون الجملة الشرطية وفحواها، كأنه قال ليس بيني وبينه خلة ولكن بيننا في الإسلام أخوة فنفى الخلة وأثبت الإخاء (7) جاء عن مسلم خوْخة بدل باب، قال في النهاية الخوخة باب صغير كالنافذة الكبيرة وتكون بين بيتين ينصب عليها باب اهـ (8) فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه (تخريجه (ق. مذ) قال الحافظ ابن كثير وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خرخة كما في رواية للبخاري (يعني الأبواب) الصغار إلى المسجد غير خوخة أبي بكر إشارة إلى الخلافة أي ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين والله أعلم (9) (سنده) حدثنا أبو الوليد هشام قال ثنا أبو عوانة عن عبد الملك عن ابن أبي المعلى عن أبيه إلخ (قلت) قال في التقريب ابن أبي المعلى الأنصاري عن أبيه لم يسم ولا يعرف من الثالثة، وقال في تهذيب التهذيب روى عنه عبد الملك بن عمير