كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 24)

الحديث في بغداد وكان هشيم ذا سمت وهيبة رفعه خلقه وعلمه وتقواه وورعه فوق مستوى المنبت والمنشأ. فقد كان أبوه بخاري الأصل أقام فترة بواسط كان فيها - فيما يقال - طباخًا للحجاج بن يوسف - قال حماد بن زيد "ما رأيت في المحدثين أنبل من هشيم" وكان بعض المحدثين يقدمونه على سفيان الثوري - وروى عنه مالك بن أنس وأثنى عليه.
لزم الإمام أحمد هشيمًا "أربع أو خمس سنوات وسمع منه كل ما عنده، وحفظ كل ما سمعه وروى صالح بن الإمام أحمد عن أبيه قال "كتبت عن هشيم سنة تسع وسبعين، ولزمناه إلى سنة ثمانين، وإحدى وثمانين، واثنتين وثمانين وثلاث، ومات في سنة ثلاث وثمانين وكتبنا عنه كتاب الحج نحوًا من ألف حديث وبعض التفسير وكتاب القضاء وكتبًا صغارًا وسأله ابنه صالح من ذلك يكون ثلاثة آلاف قال أكثر".
ومع هذه الملازمة، فإنه كان يتردد على بعض مجالس المحدثين الآخرين فيروى أنه سمع من عمير بن عبد الله بن خالد قبيل موت هشيم وأنه سمع عن عبد الرحمن بن مهدي وأبي بكر بن عياش.
وبعد موت هشيم أخذ الإمام أحمد يطلب الحديث من مختلف الشيوخ في بغداد نحوًا من ثلاث سنوات وفي السنة السادسة والثمانين بعد المائة بدأ رحلاته للسماع من شيوخ الأمصار كما كان الدأب وقتئذٍ فرحل إلى البصرة خمس مرات كان يقيم في بعضها قرابة ستة أشهر، أو أقل، ورحل إلى الحجاز خمس مرات لقي في بعضها الشافعي قال الإمام أحمد "حججت خمس منها ثلاث راجلًا، وأنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهمًا، وقد ضللت في بعضها عن الطريق وأنا ماشي فجعلت أقول "يا عباد الله دلوني على الطريق" حتى وقعت على الطريق" ورحل إلى اليمن فسمع من عبد الرزاق بن همام ومكث بها سنتين ورحل إلى الكوفة، ووعد الشافعي بالرحلة إلى مصر ولكن حالت دون ذلك الحوائل. ولم ينثني الإمام أحمد عن طلب العلم حتى عندما تقدمت به السن وصار إمامًا وسأله أحد الناس عن هذا الطلب "إلى متى وقد بلغت هذا المبلغ وصرت إمام المسلمين" فقال ابن حنبل قوله المأثور "مع المحبرة إلى المقبرة".
ولعل أعظم من أثر فيه من هؤلاء الشيوخ بوجه خاص هما هشيم والشافعي.

الصفحة 214