كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 24)

وعن الأول أخذ الحديث وما ينبغي جلسه من وقار وما يجب له من دقه، وعن الشافعي أخذ أصول الاستنباط الفقهي.
وكان الإمام أحمد حريصًا على لقاء ابن المبارك والسماع منه. فذهب إلى مجلسه سنة تسع وسبعين ومائة أول سماعه من هشيم فقالوا قد خرج إلى طرسوس وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة، كما تأثر بسفيان الثوري وألم بحديثه قال عبد الرحمن بن مهدي عن أحمد "هذا أعلم الناس بحديث سفيان الثوري" وكان كل من سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك مثلًا في الجمع ما بين العلم والعمل .. والقوة والورع .. وهي الصفات التي نجدها بارزة لدى ابن حنبل. وكان الإمام أحمد يرغب الاستماع إلى مالك ولكنه مات قبل أولى رحلاته قال "فاتني مالك فأخلف الله على سفيان بن عيينة. وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل بن علية".
جلوسه للتدريس:
وعندما بلغ الإمام أحمد أربعين عامًا جلس للدرس والفتوى بعد أن عرف فضله وظهر علمه وقصده الناس للسؤال وكان مجلسه تلفه السكينة ويغشأه الوقار. نقل الذهبي في تاريخه عن المروزي صاحب أحمد "لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أبي عبد الله. كان مائلًا إليهم مقصرًا عن أهل الدنيا، وكان فيه حلم. ولم يكن بالعجول بل كان كثير التواضع والوقار إذا جلس مجلسه بعد العصر لا يتكلم حتى يسأل" وقدر الذين يحضرون درسه بالمسجد بعد صلاة العصر بقرابة خمسة آلاف يكتب منهم خمسمائة، كما كان له بالإضافة إلى درسه العام درس خاص يلقى فيه خاصة تلاميذه.
ولوحظ في هذه الدروس أن الإمام أحمد بن حنبل كان يعود إلى مراجعة المكتوبة، ولا يكتفي بحافظته القوية تحرزًا واحتراسًا وأخذًا بالأحوط والأثبت وحرصًا على الدقة قال ولده عبد الله "ما رأيت أبي حدث من حفظه من غير كتاب إلا بأقل من مائة حديث" وربما ذكر الحديث من ذاكرته فإذا أرادوا كتابته استمهلهم حتى يمليهم إياه من الكتاب قائلًا الكتاب أحفظ شيء. وكان يحث أصحابه وتلاميذه على أن لا يحدثوا دون كتاب، وكان علي بن المديني لا يحدث إلا من كتاب وقال "إن سيدي أحمد بن حنبل أمرني أن لا أحدث إلا من كتاب". وبقدر هذا التشديد في كتابة الحديث النبوي كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يرفض

الصفحة 215