كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (اسم الجزء: 24)

ثلاث عشرة ومائتين، وإذا هو قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب الأشربة وكتاب الإيمان فصلى فلم يسأله أحد فرده إلى بيته، وأتيته يومًا آخر فإذا هو قد أخرج الكتابين فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك لأن كتاب الإيمان أصل الدين وكتاب الأشربة يفرق الناس عن الشر فإن أصل كل شر من السكر".
ولم يكن مجلس الإمام أحمد مجلس علم فحسب، لأن شخصية أحمد بن حنبل نفسه لم تكن تقل عن علمه، وكان الكثيرون يحتسبون الجلوس إليه، والتعرف على هديه وخلقه والتأدب بأدبه. وروى ابن الجوزي في المناقب عن بعض أصحابه "اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ المسند على أولاده، فما كتبت منه حديثًا واحدًا وإنما كنت أميل إلى هديه وأخلاقه وآدابه".
وهذه الملاحظات في مجموعها تصور الشخصية الفريدة للإمام أحمد من تشدد وتثبت فيما يتعلق بالكتاب والسنة. وعزوف وانصراف عن الناس مهما علت مراتبهم واعتبار العلم أداة لهدي الطالبين وإجابة للسائلين والالتزام بالسمت والأدب والسكينة والتواضع، والبعد عن - بل انتفاء - التشدق والزهو بالعلم والمعرفة. وأن يكون ظاهر المرء وباطنه، علمه وعمله سواء وهي منازل لا يقدر عليها إلا القلة المصطفاة. وبحق قال الإمام يحيى بن معين - وهو من هو - "أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، والله ما نقوى أن نكون مثله ولا نطيق سلوك طريقه".
تقدير معاصريه له وثناؤهم عليه:
لقد كانت هذه الخلائق من العلم والعمل محل تقدير كل علماء عصره، فشهدوا له وكتبوا عنه الكتب، فأفرد البيهقي سيرته في مجلد، كما أوردها ابن الجوزي في المناقب، وأثبتها في مجلد لطيف أبو إسماعيل الأنصاري. وأورد سيرته بإفاضة الحافظ بنُ كثير صاحب البداية والنهاية والحافظ الذهبي (أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي) في تاريخه مطولًا ومسهبًا والخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد".
وفيما يلي بعض أقوال معاصريه عنه نقلًا عن هذه المراجع. قال حرملة سمعت الشافعي يقول خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلًا أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل. وقال علي بن المديني إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة

الصفحة 217